اعتبر السماح بعرض الأفلام، التي كانت ممنوعة سابقاً، في مهرجان فجر الأخير، « أهم حدث» خلال هذه الدورة. وقد توقع النقاد لفيلم «آتشكار» أي «حارس النار» لمحسن أمير يوسفي، أن يحقق إقبالا كثيفاً في حال السماح بعرضه بعد المهرجان وهو ما لم يتم بعد. كما ينتظر لفيلم « به رنك أرغوان» أي «لون البنسفج» للمخرج إبراهيم حاتمي كيا، الذي كان ممنوعاً لمدة خمس سنوات والذي أجيز عرضه في المهرجان، أن يحقق أعلى الإيرادات حين خروجه في دور السينما. وكان الفيلم حظي بأعلى نسبة ارتياد جماهيري خلال المهرجان. وفي تصريح، نفى مدير هيئة الرقابة والتحقق من الأفلام خضوع الشريط لرقابة إضافية حين عرضه في دور السينما بعد انتهاء المهرجان، وهذا على رغم مطالبة البعض. من جهة أخرى، انتقد مدير الهيئة السينما الإيرانية التي، وبعد 31 عاما من الثورة، « لم تتناول هذا الحدث الديني والوطني كما يجب» بحسب صحيفة «باني فيلم». ويذكر أن أفلام الحرب العراقية الإيرانية «الدفاع المقدس» عاودت ظهورها في الدورة 28 لفجر، كما طغت المواضيع الاجتماعية على الأعمال، وظهرت أفلام تتناول المواضيع الذاتية التي كانت نادرة في ما سبق في السينما الإيرانية (راجع الحياة 12-2)، فيما سجل غياب شبه كامل لسينما الطفل التي بدأت في عهد الشاه حين لجأ مخرجون كانوا يسعون لسينما جديدة مغايرة للسينما التجارية إلى إنتاج أفلام الأطفال لتجنب الرقابة ومنهم عباس كيارستمي، وهذه السينما التي استمرت بعد الثورة لأسباب مماثلة هي التي أعطت السينما الإيرانية شهرتها العالمية. أما من ناحية تنظيم المهرجان فإنه يقع عادة على عاتق مؤسسة الفارابي. هذا العام، أجري تغيير تمثل بجعل المهرجان قسماً قائماً بذاته وبتعيين مدير له بات هو المسؤول الأول عنه. مهدي مسعود شاهي، المدير الجديد. وهو كان في بدايات الثورة مسؤولاً عن السينما. وكان اقترح حينها كما أفادنا في لقاء معه بمناسبة عقد مهرجان فجر الأخير، أن يكون المهرجان قسماً مستقلاً عن الفارابي، تحدده عوامل ثلاثة تقال بالفارسية «نظارت، حمايتن هدايت»، ما يعني ان على الدولة أن تشرف على المهرجان وعلى الفارابي أن تدعمه فيما على المدير القيام بمهمة الإرشاد. وها هو السيد مسعود شاهي، وبعد سبعة وعشرين عاماً عمر المهرجان، يستلم الإدارة ويحقق بعض التغييرات. عقد المهرجان في برج ميلاد الذي افتتح حديثاً، وهو أعلى بناء في الشرق الأوسط (ربما تفوق عليه برج دبي الآن؟) ومجهز بقاعات وأجهزة متطورة وقيمة للعرض، والجديد، عدا المحل ذاته، هو اجتماع الضيوف الأجانب والإعلام الإيراني وسوق الفيلم معاً في المكان نفسه «انها المرة الأولى التي يجتمع فيها كل هؤلاء ليتناقشوا آراءهم المختلفة»، يقول لنا مسعود شاهي مضيفاً ان إيران أنتجت 89 فيلماً هذا العام، 27 منها تشارك في مسابقة الأفلام الإيرانية، وعشرة خارج المسابقة هذا غير العدد الكبير من أفلام الفيديو والأفلام القصيرة والوثائقية، أما «المدهش» فهو عدد مخرجي الأفلام الأولى والثانية الذي وصل الى سبعة وعشرين. ونسأله إن كان الفضل يعود اليه في هذا المشاركة الكبيرة لإيران في المهرجان، فيبتسم ويجيب «لعل موقفي الإيجابي من العمل السينمائي هو الذي أضاف هذه الحيوية للسينما الإيرانية». لكن بعض هذه الأفلام المشاركة قد تكون أصلح، برأينا، لعرضها في التلفزيون وليس في مهرجان دولي، فما يقول في ذلك؟ «ثمة لجنة من سبعة مختصين تختار الأفلام الإيرانية التي تعرض في المهرجان وأنا لا أتدخل في خياراتهم». يعلم الجميع في إيران أهمية مهرجان فجر للسينما الإيرانية، فالسينمائيون يسعون جاهدين لتكون أفلامهم جاهزة للعرض فيه، وحتى اللحظة الأخيرة يتواصل وصول الأعمال أو يلغى عرض بعضها الآخر لعدم الانتهاء منها لتحل أخرى انتهت بقدرة قادر مكانها. ثمة حركة دائمة بين وصول وإلغاء ما يبرهن على الأهمية التي يوليها السينمائيون الإيرانيون لفجر الذي يشبهه المدير بليلة القدر «مهرجان فجر هو كليلة القدر حيث يحمد الله ويتم تحليل كل ما حدث خلال العام المنصرم ويبرمج للمستقبل. خلال المهرجان يتم تحليل ودراسة احتياجات السينما الإيرانية ووضع الخطط المستقبلية». ويرى مسعود شاهي ان الوضع الحالي للسينما الإيرانية «جيد جيداً»، ويتابع «السينما الإيرانية شأن عظيم نابع من عظمة ثقافتنا القديمة ومن الإسلام. لدينا مختصون في السينما وفنانون قيمون هم رأس مال كبير للبلد. إنهم ينقلون ثقافتنا وديننا»، وهنا يعطي مثالاً عزت الله انتظامي (ممثل قدير في إيران من قبل الثورة وصل الى مكتب المهرجان أثناء حوارنا مع المدير ملاحقاً بعدسات لا تحصى للمصورين). وعلى رغم الهرج الذي صاحب وصول انتظامي، تابع مسعود شاهي الحديث بهدوء لا سيما للإجابة على سؤالي الأخير «عن السبب في عرض أفلام كانت ممنوعة وعن شائعات تحدثت عن عرض أفلام في المهرجان دون موافقة مخرجيها. أكد المدير على سعي الجميع من سينمائيين ونقاد للمشاركة، وعلى استعداده لسماع كل الانتقادات والاقتراحات لأن في ذلك «فرصة لحل المشاكل»، أما عن السماح بعرض الأفلام الممنوعة فيقول «حدث ذلك نتيجة تغييرات عليا (في وزارة الثقافة والإرشاد) وهو ما اعتبره فرصة للمهرجان هذا العام».