في الوقت الذي لوحظ فيه تصعيد بارز للمطلب الداخلي بضرورة استيعاب بضع عشرات الألوف من اللاجئين السوريين في اسرائيل، اختار رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتانياهو، صدهم في شكل علني ورسمي في مستهل جلسة حكومته الأسبوعية العادية، وأعلن عن الشروع في بناء ما تسميه اسرائيل «الجدار الأمني»، على طول حدودها الجنوبية مع الأردن. وتقرر بناء المرحلة الأولى من الجدار لمسافة 30 كيلومتراً، من ايلات إلى الشمال، على أن يتم إعداد المراحل التالية لاحقاً. وعقدت جلسة الحكومة وسط نقاش اسرائيلي صاخب حول موقف اسرائيل من مأساة المهاجرين السوريين وهل يجوز ان تبقى اسرائيل متفرجة ازاء ما يجري على حدودها، أم تستغل الوضع فتقدم على خطوات تحقق لها مكسباً اعلامياً بين العرب. أول من طرح هذا النقاش في اسرائيل أبراهام بورغ، الذي تولى مناصب رفيعة عدة، أهمها رئيس الكنيست (البرلمان الاسرائيلي) ورئيس الوكالة اليهودية، والذي كان دعا الى إقامة مدينة موقتة للاجئين السوريين على ارض هضبة الجولان المحتل. ومع التطورات الأخيرة احتدم النقاش في اسرائيل فعاد هرتسوغ وأسرع في دعوة نتانياهو الى فتح الحدود امام اللاجئين السوريين واستقبالهم، مذكراً: «عندما تحل كارثة في أي مكان في العالم، نقيم فوراً مراكز للطوارئ، حارات من الخيم ومقرات للمساعدة. نحن نقوم بكل جهدنا من أجل ان نكون هناك مع كامل قدراتنا. هذا طبيعي، هذا إنساني وتقريباً دائماً يكون سياسياً. المتطوعون يأتون بأعداد كبيرة، وإسرائيل تهب بمواردها لكي تحظى بنقاط إيجابية عند الرأي العام العالمي والمحلي». ويكشف بورغ انه تحدث في الموضوع مع وزير في الحكومة فأجابه: «هذا ليس من اختصاصي». ويكشف ما هو أخطر، إذ قال له مسؤول كبير في لجنة أمنية في الكنيست، وهو يبتسم: «انا أتمنى النجاح لجميع الأطراف في سورية أن تدمر بعضها بعضاً». وأما الضابط الكبير الذي عرض عليه الفكرة فقال: «نحن مستعدون لكل تطور، اصبعنا على الزناد». وتوقع بورغ أن يقابل اقتراحه باستخفاف فيقول: «أستطيع ان اتخيل الابتسامات التهكمية، والاستهتار الفظ والتذاكي القوي لدى سماع هذا الاقتراح البسيط، الساذج تقريباً. اذ ان غالبيتنا ضحايا أنفسنا. لم نفحص أبداً الامكانية الجوهرية، للاندماج في المنطقة». وخرج عدد من السياسيين الاسرائيليين في المعارضة بالمطلب نفسه، مثل اسحق هرتسوغ، رئيس المعارضة، وزهافا غلئون، رئيسة حزب ميرتس اليساري وعضو الكنيست اليعيزر شتيرن، وهو جنرال سابق في الجيش وينتمي الى التيار الديني الليبرالي. وانضمت للدعوة شخصيات اجتماعية واعلامية عديدة. الأمر الذي أفزع نتانياهو، فقرر صد الحملة بقوة. وقال: «إسرائيل هي دولة صغيرة، ليس لها عمق ديموغرافي وجغرافي. لذلك علينا أن نسيطر على حدودنا في مواجهة المتسللين غير الشرعيين الباحثين عن العمل والإرهابيين الذين سيستغلون الوضع. هذا ما فعلناه على حدودنا مع سيناء وقد أوقفنا التسلل من هناك. وهذا ما سنفعله تجاه الاردن وعليه باشرنا في بناء جدار أمني على حدودنا الشرقية، تجاه الاردن، من أجل الدفاع عن المطار الذي يتم إنشاؤه هناك وسنواصل إقامته ليمتد إلى هضبة الجولان، حيث كنا قد أقمنا جداراً أمنياً قوياً». وحرص نتنياهو ان يبرز قيام جيشه باستقبال حوالى الف جريح سوري ومعالجتهم في المستشفيات الاسرائيلية. وأمام هذه المشاهد الاسرائيلية المتناقضة خصصت صحيفة «هآرتس» كلمة عددها، الاثنين، لترد على الطرفين وبورغ في مقدمهم الذي توجهت اليه بعنوانها «لاجئو مدينتك اولاً». وكتبت الصحيفة: «زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ، صرح بأنه ينبغي النظر في استيعاب لاجئين سوريين في إسرائيل. لكن يجب على هرتسوغ قبل تطوعه لاستيعاب لاجئين جدد، توضيح سبب عدم قيامه بتحريك ساكنة منذ سنوات من أجل عشرات الآلاف من طالبي اللجوء المتواجدين في إسرائيل، والذين هربوا هم ايضاً من فظائع اعمال القتل والإرهاب، التي تحدث في البلدان التي مزقتها الحروب الداخلية. ولماذا لا يقوم هرتسوغ ويفسر لماذا لا يعمل من اجل تسهيل الضائقة القاسية التي يعانيها سكان قطاع غزة المجاور لإسرائيل؟». وفي انتقادها نتانياهو كتبت الصحيفة تقول: «رئيس الحكومة، الذي أوضح أن إسرائيل لا يمكنها استيعاب اللاجئين، لأنها «تفتقد الى عمق جغرافي وديموغرافي»، هو كما في يوم الانتخابات، عندما حذر من «العرب الذين يهرعون إلى صناديق الاقتراع»، يثبت الآن، ايضاً، أنه ليس رئيس حكومة لجميع المواطنين في إسرائيل، كما يتوقع ممن يتولى هذا المنصب في دولة ديموقراطية. «العمق الديموغرافي» الذي يلمح اليه نتانياهو في كلماته، هو رمز مغسول للسياسة العنصرية التي توجهه هو وحكومة إسرائيل، والتي تعتبر غير اليهود مواطنين لا يستحقون المساواة، وانما مجرد فائض يجب تقليصه أو على الأقل الاهتمام بأن لا تزيد نسبته. الصدمة التي حدثت في إسرائيل امام صورة جثة الطفل السوري التي قذفها البحر الى الشاطئ، تظهر عمق النفاق العام، والذي يقول انه من الممكن والمرغوب فيه الشعور بالرحمة تجاه غير اليهود في شكل عام، والعرب في شكل خاص، فقط عندما يكونون على بعد مسافة آمنة، وعندما لا يتطلب الأمر عمل أي شيء للتخفيف من معاناتهم. قبل أن نتحدث عن استيعاب اللاجئين من سورية، تضيف «هآرتس»، ينبغي على السلطات، بما في ذلك المعارضة، العمل منذ الآن لمصلحة السكان الذي يتوقون الى المساعدة الإنسانية في ساحتنا الخلفية: طالبو اللجوء الذين يعانون من سوء المعاملة من قبل الحكومة التي تحاول دفعهم للخروج بأي شكل، وأهل غزة، الذين تطرح ضائقتهم على عتبة إسرائيل». الكثير من الحجج استخدمت ذريعة لتبرير رفض اسرائيل أخذ قسط في حل قضية اللاجئين السوريين، بلغت حد الخوف من تدفق ألوف اللاجئين من اليمن عبر الحدود السعودية فالأردنية الى اسرائيل. ولكن الخوف الأكبر هو من تدفق ألوف اللاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل وتسجيل سابقة يمكن ان يستغلها الفلسطينيون، كأن يقال: «ها هي اسرائيل استوعبت 50 ألف سوري فلماذا لا تستوعب عدداً مضاعفاً من اللاجئين الفلسطينيين»... والبروفيسور، اليميني المتطرف، أرنون سوفير، اعتبر استيعاب اللاجئين امراً خطيراً يمنع إسرائيل من الحفاظ على ما سمّاه حق العودة للشعب اليهودي الى إسرائيل، وقال: «هذا ليس بسيطاً، هذه مأساة رهيبة لكن لا مفر الا منع تسلل ملايين المسلمين الى داخل إسرائيل الصغيرة». ويتبين ان طرح استقبال اللاجئين السوريين قائم في اسرائيل منذ بداية الحرب السورية. ففي حينه، أعلن ان الجيش ينوي اقامة مخيم خاص في منطقة الحدود في الجولان، لاستيعاب لاجئين سوريين يتدفقون في شكل مفاجئ باتجاه الحدود الاسرائيلية. وقد قوبل اقتراح الجيش برفض قاطع من الحكومة ويقال ان صاحب الاقتراح في الجيش تلقى توبيخاً شديداً عليه. الجيش آنذاك أغلق المنطقة بإحكام، فلم يصل ولم يحاول أي سوري الوصول. وتحت حجة الخوف من تسلل ارهابيين، اسقطت اية امكانية لاستقبال لاجئين. ووزير المواصلات والاستخبارات، يسرائيل كاتس اعتبر موقف اسرائيل برفض استقبال سوريين طبيعياً ومنطقياً لأن اسرائيل هي جزء من القضية، وسورية دولة عدو تهدد أمنها. وتساءل: «اية دولة يمكن ان تستوعب المدنيين الاعداء في خضم الحرب؟».