في استطلاع للرأي العام قامت به مؤسسة «يختر لاستطلاعات الرأي في الشرق الأوسط»، وهي مؤسسة أبحاث خاصة أميركية لعينة من المجتمع السعودي تظهر نتائج الاستطلاع في جزء منها أن هناك رأياً عاماً راضياً، ولكنه قلق من الأوضاع الاقتصادية، وأشار الاستطلاع إلى أن السعوديين أعربوا بشكل واضح عن قلقهم من التطرف الديني والفساد. وقد عبّر السعوديون، بنسبة وصلت إلى 54 في المئة، بأن المملكة تسير في الاتجاه الصحيح، بينما يعتقد 39 في المئة عكس ذلك، وهذه النسبة في رأيي تعتبر مرتفعة ولكن من لديهم تحفظات ليست بالقليلة، وهذا يعطي صانعي القرار معلومات دقيقة وواضحة حول الأوضاع الداخلية في المملكة، التي تؤثر في تشكيل الرأي العام في المملكة، خصوصاً في القضايا الاقتصادية التي لها تأثير مباشر في كل مناحي الحياة اليومية للمواطنين، إذ عبّر نحو 40 في المئة من السعوديين عن نظرة تشاؤمية حول أوضاعهم الاقتصادية الخاصة، أما تطلعاتهم لأوضاعهم الاقتصادية في المستقبل فقد عبّر ربع عينة الدراسة بأن وضعهم الاقتصادي سيكون أفضل من العام الماضي. أشار الاستطلاع إلى أن المستطلعين الأصغر سناً يعتقدون، بنسبة مرتفعة تصل إلى 60 في المئة، أن السعودية تسير في الاتجاه الصحيح، وهذا في رأيي يبعث على التفاؤل، خصوصاً إذا عرفنا أن نسبة الشباب في المملكة مرتفعة بالمقارنة مع الفئات العمرية الأخرى. أما في ما يتعلق بهذه النظرة الايجابية للوضع في المملكة فقد كانت النتائج مرتفعة بالنسبة لمعظم السكان في مناطق المملكة المختلفة، وهذا يدل على أن التنمية في المملكة العربية السعودية موزعة وبشكل متوازن على جميع المناطق. وفي موضوع ركزت عليه هذه الدراسة الاستطلاعية بشكل لافت، وهو موضوع التطرف الديني ونظرة المجتمع لها، كانت النتائج تعكس رفض السعوديين لهذه الظاهرة، إذ عبّر أكثر من النصف «54 في المئة» من العينة تحت الدراسة عن أن التطرف يمثل مشكلة خطرة للمملكة، وعبّر جزء كبير منهم وبشدة بهذا الرأي، وأشار الاستطلاع إلى أن هناك نتائج موحدة على المستويات الثلاثة للدراسة، على مستوى المناطق والفئة العمرية والجنس، تؤكد أن التطرف مشكلة حقيقية في المجتمع، ولكن نسبة التأييد لهذا التوجه كانت مرتفعة لدى النساء، «59 في المئة» مقارنة بالرجال «48 في المئة». وقدمت النتائج أن أولويات السعوديين على المستوى الوطني لم تكن الانتخابات والديموقراطية بل كانت القضايا الاجتماعية والاقتصادية بما فيها الفساد، وهذا في رأيي يعبر عن أن تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومحاربة الفساد هي التي تهم المواطنين، وقد لا تكون المعايير الأخرى بأقل أهمية منها، لكن كلاًّ من الأهداف المذكورة لن يتحقق بعضها من دون بعض، فالشفافية ومحاربة الفساد يجب أن يكون لها آليات مؤسساتية، فمثلاً مجلس الشورى عبّرت نسبة كبيرة من عينة الدراسة «70 في المئة» أن دوره ينحسر في الجوانب القانونية فقط، ما يعني أن هناك مطالب بتفعيل دور المجلس في الرقابة والمحاسبة. وعلى مستوى القضايا الإقليمية أيدت نسبة كبيرة من السعوديين، وصلت إلى 57 في المئة، فرض عقوبات أشد صرامة ضد إيران، وكانت هذه النسبة مرتفعة حول تشديد العقوبات على جميع مكونات العينة من حيث الفئات العمرية ومستوى التعليم والطبقة الاجتماعية والجنس والمنطقة، وكانت الرياض من أكثر المناطق تأييداً لهذه العقوبات، إذ وصلت نسبة التأييد إلى نحو 59 في المئة، وهذا يعكس القلق لدى جميع أفراد المجتمع من الطموحات النووية الإيرانية والتخوف من نتائجها، وهذا في اعتقادي قد يكون مساوياً لما تعتقده معظم الشعوب العربية، خصوصاً في منطقة الخليج، بل إن نسبة تأييد ضربة عسكرية أميركية لإيران وصلت إلى الثلث من عينة الدراسة، وهذا يدل على أن مجتمع الدراسة يشعر بالقلق من هذا البرنامج، ويدل على الوعي في المملكة بأن التسابق لامتلاك أسلحة نووية لن يكون في مصلحة أحد بل سيدخل المنطقة في مآزق وحروب جديدة. تحفل مثل هذه الدراسات والاستطلاعات بمعلومات محايدة ذات أهمية كبيرة لصنّاع القرار في أي دولة في العالم، ولكننا نجد في دولنا غياباً لمثل هذه المراكز، فهذه دعوة للاهتمام بإنشاء مراكز لقياس الرأي العام في جميع القضايا، سواء لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. [email protected]