ذكر المفتي في إحدى الصحف أنه ينظر شخصياً ما لا يقل عن 15 حالة طلاق يومياً، فإذا كان لا يصل إليه إلا الحالات النادرة جداً، فإن ذلك يعني أننا أمام نسب مرتفعة من حالات الطلاق. أقول، حين يجمع الزوج والزوجة عش الزوجية يكتشفان أن بعض المواصفات ليست ذات اهمية إطلاقاً، وأنهما أغفلا بعض الأمور المهمة من أخلاق وثقافة وتحمل مسؤولية وإيثار للآخر، لكن الشيء المؤلم أنهما بعد ان يتعرفا على بعضهما البعض جيداً ويخبو لهيب العاطفة بينهما، تتصادم الثقافات والعادات والرغبات، وتتصاعد وتيرة الخلافات ويتم تبادل الاتهامات وينعدم التفاهم وتنحسر الارضية المشتركة بينهما، وكل طرف يُصرعلى موقفه وانه المظلوم، وتستولي الانانية البغيضة مغلفة بالجهل على الطرفين أو احدهما وكل طرف يشهر سلاحه دفاعاً عن نفسه، وتستمر المعارك الى ان يحصل أبغض الحلال «الطلاق»، وتكون النتيجة ضياع الاطفال على مفترق الطرق ودفعهم الثمن الأصعب! أي جريمة أكبر من جريمة إيجاد اطفال لم يختاروا والديهم، ومن ثم الحكم عليهم بالضياع ولهم الحق كل الحق في حياة مستقرة هادئة، فإذا كان الأبناء لا يختارون الأبوين فليس من حقنا ان نحملهم المسؤولية نتيجة خياراتنا السيئة وشهواتنا الجامحة، بل يجب ان نتحمل المسؤولية كاملة بما فيها مستقبلهم وحقهم في العيش في أسرة مترابطة شعارها المودة والرحمة، وليس عدلاً ان ندعهم يدفعون ثمن خياراتنا السيئة. نحن كمجتمع ماذا فعلنا تجاه هذه النسب المرتفعة لمعدلات للطلاق التي تتحفنا بها الجمعيات ومراكز المعلومات سنوياً عدا الكتابة والندوات، ببساطة لا شيء يذكر، والدليل على ذلك ان معدلات الطلاق، إن لم تزد لم تنقص، يجب ان تكون هناك فترة تعرف على الآخر «غير مباشرة» لا تقل عن ستة اشهر بين الخِطبة والزواج، وستة أشهر بين الزواج والإنجاب، فما الذي يمنع من الانتظار؟! أما بالنسبة لإيجاد آليات لوضع قانون مدني بهذا الخصوص، فلا توجد مشكلة، ونحن كنا قادرين على الإفتاء بجواز المسيار والاختلاط بجرة قلم، خصوصاً ان الهدف هنا هو حماية «الأسرة» من التفكك بسبب قرارات متسرعة، ومن يعتقد ان هذا الطرح يعتبر تدخلاً في الشأن الشخصي للآخرين، فيجب ان يعلم ان الحكم على اطفال محتملين بالضياع ليس شأناً شخصياً على الإطلاق، خصوصاً أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة. الحقيقة أن غالبية الأزواج لا يُخضع تجربة الزواج للمنطق الصحيح المجرد ليكون الحكم على الأحداث عقلانياً وتكون التداعيات اقل إيلاماً، فكل طرف لا يريد ان يتنازل عن حجم مساحة الحرية التي تعود عليها ويجهل انه من الطبيعي ان تختلف مساحة الحرية بعد الزواج، ويمكن البحث عن توازن منطقي لتكامل مساحة الحرية مع بعضهما البعض من دون تعدٍ غير منصف على مساحة الآخر حتى تتحول الحرية مستقبلاً الى مساحة مشتركة. وما أريد قوله، إنه من الخطأ لأي من الطرفين إخضاع الآخر لمنطقه، أي انه حين يرى الزوج أن زوجته تقوم بتصرف يجد انه غير مناسب له فهو حتماً يرى أنها تنتهك مفهومه للاشياء، والحقيقة انه يتعامل معها بمنطقه هو «منطق الرجل»، وهذا غير منطقي وظالم للطرف الآخر والعكس صحيح، وإذا كان النصح عادة ما يوجه الى ربان السفينة «الزوج»، بحكم امتيازاته الذكورية والاجتماعية وقوامته الدينية، عن كيفية التعامل مع السلوك غير المرغوب فيه، فمن الواجب ان يتفهم طبيعة ومنطق الأنثى، ويجب التعامل معها على هذا الاساس، وكذلك العمل على إيجاد البدائل الأخرى التي تتوافق مع طبيعتها الانثوية، ولو أن أي رجل قبل أن يغضب يتذكر انه أمام إنسان مختلف كلياً «نفسياً وفسيولوجياً»، إضافة الى انه ترعرع في بيئة مختلفة عن الآخر بكل تبعاتها، والأهم من هذا كله أن المنطق المجرد عند المرأة يختلف عن الرجل، وعلاقة شخصين مختلفين ومن بيئات مختلفة هي من التعقيد بأنه يجب عدم إخضاعها لأي منطق، إذ إن ما يبدو منطقياً لشريك لا يبدو كذلك للآخر، ولا يصح الاحتكام الى الفكر الذكوري، وقياس الاشياء بالمنطق التجريدي، وحساب الامور من زاوية الصح والخطأ والحساب والعقاب، لذلك يجب الأخذ في الحسبان، وقبل الحكم على الاشياء، أن منطق المرأة ونظرتها للأشياء مختلفة تماماً، وعدم ملاءمة تصرفاتها لرغباتنا في الغالب ليس رغبة في العناد بقدر ما هي طبيعة المرأة الأنثى، وإذا ما أخذنا هذه القاعدة في الحسبان قبل أن نصدر أحكامنا فإننا حتماً سنتجنب الكثير من الأخطاء بحق الآخر «الأسرة». كلي أمل ورجاء في ذوي الاختصاص المخلصين أن يبادروا لاتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من هذه الظاهرة وحماية أبنائنا من ضياع وتشرد محتملين. [email protected]