لم تستطع الشاعرة السعودية بديعة كشغري إخفاء مشاعر الخيبة والإحباط، نتيجة لتجاهل المؤسسات الثقافية المحلية لاستضافة حفلة توقيع ديوانها الشعري الجديد «لست وحيداً يا وطني» في لقاء جمعها مع مجموعة كبيرة من عشاق الشعر مساء الأربعاء الماضي، في مقهى أندلسية في جدة. اللقاء تحوّل إلى أمسية شعرية أنشدت فيها كشغري باقة من قصائدها بأداء مسرحي، «إهداء إلى الوطن الحبيب»، بحسب تعبيرها، واحتفاء بعودتها إليه بعد سنوات الغربة، التي قضتها في كندا، بسبب ظروف عمل زوجها. تحدثت كشغري عن مشاركتها في فعاليات ثقافية أثناء إقامتها في كندا، للتعريف بالأدب والحركة الشعرية في السعودية، وعن دعوة جامعة أتاوا لها لقراءة أشعارها وتوقيع ديوانها الشعري، «بينما يجد المبدع السعودي صعوبة في نشر أعماله والتواصل مع القراء، بسبب غياب الدعم، ونقص الوعي بأهمية القراءة والثقافة». وقرأت الشاعرة من ديوانها الجديد الصادر عن دار الخيال اللبنانية، قصائد متنوعة بين التفعيلة وقصيدة النثر مثل: فاتحة الوطن التي عبّرت عن رحلة أشواقها إلى حلمها الأكبر، مخاطبة إياه «أهديتك الأفق الذي أشعلته ببخور عشقي وحنين أسفاري»، وقرأت بعدها قصيدة عن معاناة أطفال غزة من الحصار، واتبعتها بقصيدة رماد الهذيان، وختمت بمناجاة معبرة «وطن التراتيل التي تهاجر في دمي في شتاء أونتاريو أشتهيك كقبلة لأطفال دفئا\ توشح جبهتي مثل طهر أو حنين». وتضمن اللقاء قراءات نقدية لقصائد الديوان، بمشاركة الدكتور ابتسام بوقري، والدكتورة أميرة كشغري، إذ أشارت بوقري إلى اتساع جغرافياً الوطن في قصائد الشاعرة، فهي تتغنى بحب الوطن المكان، الذي تشعر بالحنين إلى ترابه الطاهر، الذي يمنحها معنى حقيقياً لهويتها، وتستصرخ الضمير الإنساني، للدفاع عن أطفال غزة والعراق في قصيدة «متون الأرض». وذكرت الناقدة أميرة كشغري التي كانت تجلس بجانب أختها بديعة في مشهد استثنائي، أن نصوص الديوان عبّرت عن «فضاءات مفتوحة تحتمل تأويلات مختلفة في مقاربتها بعنوان «تجليات للوطن»، التي اعتبرتها إضاءة نقدية لاكتشاف أسباب اختلاف عملية التلقي من قارئ إلى آخر، مشيرة إلى «تماثل عناوين النصوص في محاولة للاقتراب من شعرية المكان»، وأن تحليق الشاعرة في مدار الوطن «تأكيد على الهوية والانتماء، والتمسك بالكرامة والدفاع عن شرف الأرض، ورفض للحروب ومظاهر العولمة السلبية، وإعلاء لقيمة الإنسان». وأضافت: «أن الثيمة الرئيسية هي الوطن، وربما تداخلت مواضيع أخرى مثل الاغتراب والحنين، ولا يوجد تناقض في ذلك، لأن الشاعرة أجادت في صياغة الجانب الإنساني المتمثل في التجربة الشخصية مع الهم الإنساني المشترك، ليمتزج العام مع الخاص لابتكار تشكلات مختلفة للوطن مثل الأرض والسلام والطفولة». وأشادت أميرة كشغري بقصيدة «أسئلة الأوطان» التي عبّرت عن ثيمات متنوعة، إلى جانب احتفاظها بسمات قصيدة النثر، كالجمل القصيرة والتكثيف وقرأت مطلعها «في غرفة بيتي نافذة\ منها كان الفجر يطل على أحداقي\ فيموج النبض جموحا\ تسكره شموس الأحلام». وعللت انتشار الأجواء الحزينة على أغلب النصوص «بأن الشاعرة كتبت قصائدها في مرحلة زمنية عصيبة شهدت أحداثاً غيّرت مجرى التاريخ، وانعكست تداعياتها الأليمة على قصائد الديوان، والشاعر يكتب من وحي الأحداث، لكن هناك تعبيراً جلياً عن قوة الإرادة في قصائدها على رغم هذا التبعثر والشتات».