يجلس محمود عباس على مقعده، واضعاً سماعات في أذنيه، يكتب على «كيبورد» بهدوء وثقة لساعات طويلة، ممارساً مهنة الصحافة التي طالما أحبها. محمود شاب مصري «كفيف»، في العقد الثاني من عمره، لكن إعاقته زادته إصراراً وقوة على إثبات ذاته وتحدي العوائق. يؤكد الشاب العشريني أن طموحه كان دراسة الإعلام، لكن نصيحة أحد الأشخاص حالت دون ذلك، و«التحقت بكلية الألسن، في العام 2006، ودرست اللغة الإنكليزية، إضافة إلى الإيطالية، وتخرجت العام 2010 بتقدير عام جيد». ولع عباس بالراديو كان يسيطر عليه أثناء دراسته، فعمل مراسلاً لإحدى الإذاعات التي تبث عبر الإنترنت، ويقول: «كنت شغوفاً بالرياضة، وأحضر المباريات في الاستاد. واستمع إلى المجريات عبر الراديو، ثم أنزل إلى الملعب وأحاور اللاعبين». ويضيف: «عندما كنت أقترب من اللاعبين كانوا يصابون بالذهول، لكن بعضهم كان لديهم فضول جارف حول سبب وجودي. اغتنمت هذه الفرصة لمحاورة لاعبين كبار، منهم محمد أبو تريكة ومحمد بركات، وغيرهما من النجوم». نجاح محمود عباس الملحوظ دفع إدارة الراديو إلى تخصيص برنامج مستقل له، استضاف فيه أكثر من 100 نجم رياضي، وهو ما رشحه للعمل مراسلاً مع الإعلامي وحارس المرمى السابق أحمد شوبير، في كانون الثاني (يناير) 2011. ويروي محمود أنه «عقب ذلك اندلعت ثورة 25 يناير، فقررت أن أكون أحد الفاعلين فيها. كان هناك شيء يدفعني نحو التظاهر حتى زوال نظام (الرئيس السابق حسني) مبارك». ويقول: «انقطعت علاقتي بالراديو إبان الثورة، فاتجهت إلى العمل الصحافي». ويضيف: «عملت في القسم الرياضي في صحيفة الشروق، في مطلع 2012. تعلمت هناك كتابة الأخبار، لكنني قررت الرحيل في النهاية». رحلة البحث عن عمل في صحيفة أخرى استغرقت ثلاثة أشهر، ف«مديرو التحرير كانوا يتهربون من مقابلتي لظروف إعاقتي، لكنني لم أعتبر نفسي كفيفاً. فعملت موظفاً في قسم خدمة العملاء في إحدى الشركات، إلى أن وجدت إعلاناً لصحيفة الوطن تطلب فيه صحافيين». ويقول محمود: «توجهت إلى الصحيفة، وعند بلوغي صالة التحرير لاحظت حالاً غريبة. الكل يتحدث بصوت عال، ويبتغون السرعة في نشر الأخبار (على الموقع الإلكتروني)، فخاب أملي وتبادر إلى ذهني سؤال حول ماذا سأفعل وسط هؤلاء؟». ويضيف: «قابلت شخصاً من هيئة التحرير كان صارماً معي، لكنه كلفني بمهمة اعتبرتها صعبة في البداية، ولكنني استطعت تنفيذها ونالت إعجابه، وبعد تكرار كتابة اسمي على الأخبار زادت ثقتي بنفسي». ويتابع: «عقب ذلك انتقلت إلى قسم الوكالات، لكنني شعرت بملل. هذا ليس طموحي. كنت أريد أن أصبح صحافياً ميدانياً». غير ان هذه لم تكن مشكلة عباس الوحيدة، فلم يكن «هناك من يتحدث معي. الجميع كانوا يستغربون وجودي، وإذا أردت الذهاب للحمام كنت أقف طويلاً حتى أجد من يساعدني، وحتى من كان يساعدني كان يتركني، اصطدم بالجدار بمفردي». لكن إصراره على بلوغ هدفه دفعه إلى أن يطلب من رئيس التحرير تغطية أحد المؤتمرات. نجاحه في التغطية كان نقطة التحول في حياة عباس الصحافية، إذ وافق رئيس التحرير على عمله محرراً. ويقول: «عملت لمدة 5 شهور، وكنت استخدم برنامج جوز الذي يحول كل شيء على الشاشة إلى مسموع، وأصبحت مشرفاً على المحررين بعد ذلك». وفي ايار (مايو) 2015، انتسب عباس إلى نقابة الصحافيين.