تبدأ وزارة العمل اللبنانية اليوم، ورشة عمل حول «الضمان الاجتماعي: أولوية السياسة الاجتماعية»، إذ يُصرّ وزير العمل اللبناني بطرس حرب على إحداث تغيير جذري في هذه المؤسسة العامة التي تعتبر مدماكاً أول في بنيان الرعاية الاجتماعية لكل مواطن بدءاً من حقه في الوصول إلى الطبابة والعناية الصحية وانتهاءً بتأمين ضمان الشيخوخة له وضمان البطالة من منطلقين: الأول أن 10.2 في المئة من اللبنانيين سيتجاوزون سن الخامسة والستين عام 2025، وهم في حاجة إلى رعاية تضمن شيخوختهم، والثاني أن الأزمات الاقتصادية، مثل التي يجتازها العالم اليوم، قد تقذف بجزء من القوى العاملة خارج نطاق النشاط الاقتصادي، ما يزيد حالات الفقر ويقلّص قوّة الإنفاق ويضرّ بمصالح المؤسسات الاقتصادية، ما يوازي عندئذٍ في الضرر بين العمال وأرباب العمل. ولافت أن إحصاءات في ولاياتٍ أميركية تفيد بأن 46.2 في المئة من حالات الإفلاس الشخصي سببها ديونٌ طبية. المشاركة بين القطاعين العام والخاص في الورشة، تعكسُ طابع الجديّة في الخلوص إلى نتائج مقبولة من الجميع وقابلة للتنفيذ. فتحقيق الرعاية الاجتماعية هو فعل تكافلٍ اقتصادي في سبيل تحقيق مجتمعٍ أفضلٍ سليم ومعافى وقادرٍ على الإنتاج، وتالياً على أن يكون محرّكاً للاستهلاك، الذي لولاه لا مجال لتحقيق عوائد وأرباح لأرباب العمل. لكن المسألة في لبنان تطرحُ إشكالية، في تحقيق مصالح الشركاء الاجتماعيين، أرباب العمل والعُمال والدولة. فعلى رغم أن لبنان من السبّاقين في اعتماد مبدأ التكافل الاجتماعي والرعاية الصحية، إلا أنه الأكثر بطئاً في تطوير هذا النظام، ومن بين الأكثر تكلفةً له، ويتحمل الفرقاء الثلاثة بالتساوي مسؤولية هذا الإنفاق الكبير. يلاحظ مثلاً أن الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية ارتفع من 365 مليون دولار عام 1998 إلى 638 مليوناً في 2008، بمعدل سنوي بلغ 6.4 في المئة ومن مستوى 2.15 في المئة إلى مستوى 3.2 في المئة من الناتج المحلي للفترة ذاتها، في وقتٍ لا يتجاوز معدّل النمو السكاني 2 في المئة سنوياً. فهل ان الواقع الصحي يتردى سنةً بعد أخرى في لبنان، أم أن تكلفته ارتفعت إلى هذا المستوى أم يوجد إهدارٌ وسوء تنظيمٍ في مواقع أُبيحت، وقد ساقت دراساتٌ مثل هذه الاتهامات لا سيّما على صعيد الاستشفاء والمستشفيات، ويبدو أن هذه الأسباب تتلاقى. ويلاحظ عبر الإحصاءات المتوافرة تفاوتٌ كبير في متوسط الإنفاق الحكومي على التكلفة الصحية للفرد بين الجهات المسؤولة، وكانت في سنواتٍ سابقة بمتوسط 877 دولاراً (364 مليون دولار ل415 ألف مريض)، موزّعة بين 1542 دولاراً في المؤسسات العسكرية، 938 دولاراً لدى وزارة الصحة، 677 دولاراً لدى الضمان و892 دولاراً لدى تعاونية موظفي الدول. وفي الموازاة ارتفع استيراد لبنان من المنتجات الصيدلانية العامة من 429 مليون دولار عام 2004 إلى 753 مليوناً في 2009 بمعدل 15.1 في المئة سنوياً، منها أدوية 396 مليون دولار في 2004 و677 مليوناً في 2009، وبمعدل نمو 14.4 في المئة سنوياً. هذه المعطيات تدفع إلى التساؤل، هل يزداد وضع اللبنانيين الصحي سوءاً، أم أن فاتورة الاستشفاء تزداد بمثل هذه المعدلات سنوياً؟ وهي معدلات تتجاوز المنطق في بلدٍ نصفُ سكانه دون سن الأربعين، وقد لا تبررها تغيرات أسعار صرف العملات المتداولة في الاستيراد، أو في كلفة الدواء. لقد وضعت دراسات تفيد بأن احتمالات الإهدار على الرعاية الصحية كانت في مرحلة من المراحل كبيرة، لكنها لم تنطفئ بعد. وأن ما ينفق على الصحة هو الأعلى على صعيد الفرد من بين الدول الأكثر إنفاقاً، لا سيما بين بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كنسبة مئوية من الناتج المحلي وهي تزيد على 12 في المئة، في حين أن المردود هو الأدنى. ويتوازى في هذا الإهدار القطاعان العام والخاص، حيث كلفة الاستشفاء ترتفع لتعوّض النقص في مستويات إشغال أسرّة المستشفيات والتجهيزات الطبية في المختبرات وغيرها. لذا تعتبر ورشة العمل الخاصة بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تمهيداً لدخول لبنان إلى «عصر السلامة الصحية» نظراً لفوائده الاقتصادية. وتُعتبر مكننة الصندوق خطوة لإنقاذه وضمان أموال المنتسبين، ومن ثم تعميم ضمان الشيخوخة والبطالة، توازياً مع إطلاق البطاقة الصحية الشاملة. ويبدو تصميم وزير العمل واعداً بتحقيق نقلةٍ نوعية قد تكون رائدة في العالم العربي.