في رواية «رجل الأقدار» للأديب والمفكر الفرنسي «أندريه مالرو» يقول أحد أبطالها: «تسعة أشهر ليست كافية لصنع إنسان، وإنما يحتاج الأمر إلى خمسين عاماً من العناء والتضحيات والإرادة وأشياء أخرى حتى يكتمل صنعه، ويصبح إنساناً ليس فيه شيء من آثار الطفولة والمراهقة»، وعليه، ليس هناك أظلم للمرأة والرجل على حد سواء من المفهوم الخاطئ في التعامل مع حقيقة التقدم بالعمر، إذ يبدأ الرجل بالإحساس بأن سنوات عمره المتبقية أقل من تلك التي عاشها، مثقلاً بأسماء الراحلين التي تتوالى عليه من معارفه وأصدقائه، فيستشعر الوحشة التي يحسها المسافر في حافلة عامة يتلاحق نزول الركاب منها محطة تلو أخرى، ولا يبقى سوى قلة اقترب موعد نزولهم، بعد أن يغلف المكان بجو قاتم كئيب عقب الصخب والمرح وضجيج الحياة الذي كان سائداً في بداية الرحلة، وكرد فعل طبيعي لهذا الشعور المؤلم يصبح الرجل عصبياً قلقاً، وقد يحاول الهرب منه بالتغيب عن بيته بحجة العمل، أو التورط بمغامرات عاطفية يحاول أن يثبت بها أنه ما زال على عهده الفحولي، يصاحبه تأنقاً في الشكل الخارجي، واستزادة بطلب التدليل من قبل المحيطين، وبخاصة النساء، فإذا انتقلنا بحديثنا إلى المرأة ومشكلتها مع التغيرات الهرمونية التي تتعرض لها، فنجد أنها لا تخلو من آثار التذبذب العاطفي التي تعتريها وتتركها بين التوتر والقلق ونوبات الشك والحزن والبكاء المفاجئ مع قلة ساعات النوم، وربما التعرض لبعض الأعراض العضوية كسرعة خفقان القلب والدوخة وآلام الصدر، يزيده إحساس المرأة المتفاقم بالكبر كثقافة بيئية غير عادلة بنهاية عهدها بالأنوثة والإخصاب. كلمة أخيرة: لو أننا نستعد لكل مرحلة من مراحل العمر بالمعرفة الصحيحة والاستيعاب لتجنبنا الكثير من المعاناة، ولساعدنا أنفسنا على الاستمتاع بما لكل محطة من جمال ومميزات، وعلماء النفس الذين يفضلون تسميتها بأزمة منتصف العمر، ويشركون فيها الذكر والأنثى، يعترفون أن أعراضها بالنسبة إلى الرجل أقوى تأثيراً منها بالنسبة إلى المرأة، وبخاصة بعد بلوغه الستين، فهي من اسمها «أزمة» وتعني «التحدي»، وعلى الإنسان أن يواجهه ويصمد له ويجتازه، فمن الضروري التوافق مع أقدارنا والتفريق بين ما نستطيع وما لا نستطيع تغييره لكيلا نتعذب بنطح الصخر والسير وراء سراب يقلل من شأننا واحترامنا لتاريخنا... والسؤال: ماذا يرضي الإنسان؟ ففي صغره يتمنى أن يصبح كبيراً ناضجاً، فلما يكبر يعاوده الحنين إلى مرحلة الصغر، مع أن ما تعلمناه واستقيناه جاءنا بفضل السنين، فإذا أردت أن تضاعف عمرك أو بالأصح، أن تعيش في شكل معافى تجنب في نصفه الأول عادات تقصر نصفه المتبقي، أما التجربة الحقيقية لحرية الإنسان فهي في حصوله على الشيء الأهم من دون امتلاكه، فاحصل على شباب عقلك حتى لو لم تمتلك الرقم الذي يدل على شباب عمرك. وقالوا: «المرأة دائماً أصغر سناً من الرجل، حتى لو شاءت الظروف أن يولدا في وقت واحد» إليزابيث براوننج.