تعدّ الشرقاط في أقصى شمال محافظة صلاح الدين العراقية شمال البلاد، أول مدينة في المحافظة تسقط بيد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، بعدما توسّعه خارج حدود محافظة نينوى في حزيران (يونيو) من العام الماضي. وكانت الشرقاط التي تبعد من تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، نحو 120 كلم، تتبع نينوى قبل إنشاء محافظة صلاح الدين في سبعينات القرن الماضي. وهي تمثّل مركزاً مهماً في صلاح الدين بسبب وجود مساحات كبيرة من المزارع، التي تعتمد عليها المحافظة في توفير المحاصيل الزراعية، كذلك فهي تضمّ أحد المعالم الأثرية المهمة، وهي قلعة أشور التي فجّر «داعش» بوابتها قبل أشهر قليلة. ويقطن البلدة التي فرّ منها نحو 40 في المئة من سكانها منذ سيطرة «داعش»، سكان من العرب السنة وغالبيتهم من عشيرة الجبور، وهناك سكان من عشائر الدليم والعزة والجميلات وعشائر صغيرة أخرى. ولا تشهد الشرقاط وجوداً فعلياً للجماعات السلفية، لكن سكانها في غالبيتهم كانوا يدينون بالولاء للنظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين وحزب «البعث». وبعد اجتياح البلاد من التحالف الدولي وسقوط نظام صدام، انضمّ كثر الى جيش الطريقة النقشبندية، وهي الجناح العسكري لعزة الدوري، النائب السابق لصدام وقائد حزب البعث العراقي المنحل في الوقت الحالي. وعندما تقدّم «داعش» الى الموصل، فرض سيطرته على ثلاث قرى في الساحل الأيسر من الشرقاط، قبل أن يتوسع الى منطقة الساحل الأيسر بالكامل، وكذلك الساحل الأيمن وبقية القرى التابعة للبلدة. وأفاد ضابط برتبة مقدّم كان في الشرقاط يومها، قبل أن ينسحب نحو تكريت ومن ثم بغداد، وبعدها عاد الى تكريت خلال عمليات التحرير التي شهدتها المدينة (تحرير تكريت من سيطرة «داعش» في آذار/ مارس الماضي)، بأن «قوات دعم لم تصل البلدة على رغم المناشدات التي أطلقت خلال الساعات الأولى من عملية الاجتياح التي قام بها «داعش» من جهة محافظة نينوى، وظلّت الشرطة وحدها الى جانب بعض الجنود تقاتل». وقال ل «الحياة» أن «الجيش الموجود في الشرقاط بدأ بالتراجع نحو بيجي، وظهر مقاتلون ينتمون الى حزب البعث والطريقة النقشبندية للقتال ضدنا من داخل المدينة، ولم نستطع الصمود سوى ثماني ساعات قبل أن تسقط المدينة بالكامل». ولفت قائممقام البلدة علي دودح، ل «الحياة» أن «التنظيم فجّر كل المباني الأمنية ومبنى القائممقامية، وأحرق مباني أخرى ومن ثم سرق وقود أبراج الاتصالات ودمّر أخرى، وهو ما تسبّب في انقطاع الاتصال في الشرقاط». ولا توجد الآن اتصالات داخل الشرقاط، في استثناء من يصعد الى المرتفعات لغرض التقاط إحدى شبكات الاتصال من الموصل. وأضاف دودح أن «التنظيم توسّع بالتخريب عندما فجر بوابة قلعة أشور وأعدم السكان في الشوارع إذا شكّ في أن أحدهم متعاون مع السلطات أو يحاول الاتصال بمن هم خارج المدينة». وحول طريقة الخروج من المدينة في الوقت الحالي، قال دودح أن «40 في المئة من السكان فروا حتى الآن منها، ولكن ال60 في المئة الآخرين باقون، وغالبيتهم يعانون بسبب بقائهم حيث لا خدمات والخوف يسيطر عليهم، ومن يريد أن يخرج عليه أن يخرج نحو الموصل إذا أراد ذلك، ولكن بتقرير طبي وكفالة، وذلك الأمر يواجه بصعوبة من التنظيم حيث دائماً ما يمنع حتى وإن توافرت الكفالة والتقارير الطبية، ومن يريد أن يتّجه نحو مناطق الحكومة فعليه أن يتوجه نحو حدود بيجي وحي الستمية داخل بيجي وكذلك الصينية، ومن ثم طريق حديثة في الأنبار (غرب بغداد)، وبعدها يقترب من هيت ومن ثم يتّجه نحو النخيب بالقرب من كربلاء (جنوببغداد) من طريق مهربين». وتابع أن «هناك طريقة ثانية للفرار من الشرقاط، وهي الزوية بين الشرقاط وبيجي ومن ثم الفتحة فالعلم، وبعدها نحو سامراء جنوب صلاح الدين». وأشار محمد الجبوري، وهو شاب ثلاثيني فرّ مع والدته وزوجته قبل ثلاثة أسابيع تقريباً من طريق الستمية والصينية في صلاح الدين وحديثة وهيت الى النخيب في الأنبار، الى أن الأمر صعب جداً وقاس. واستطرد الجبوري في حديث الى «الحياة»، أن «الوضع كان صعباً جداً والطريق مخيفة والمهرّبين همّهم الحصول على المليون، وفي بعض الأحيان على مليونين أو أكثر، ولكنهم يوصلوننا عبر طرق صحرواية الى النخيب، ودائماً ما يحذرون الناس الذين يرافقونهم من أن التنظيم قد يكتشف أمرهم في أي وقت». ويرفض التنظيم في مختلف المناطق التي يسيطر عليها، خروج السكان لأسباب عدة، من بينها الشعور بأنه قد يستفيد منهم كدروع بشرية. وقال الجبوري أن «المأساة الحقيقية تبدأ بالنخيب، حيث تمنع السلطات المحلية في محافظة كربلاء عبورنا، ونبقى على حدودها لكن داخل الأنبار بلا ماء ولا طعام وفي العراء، وفي انتظار كفالتنا من مسؤولي حكومة صلاح الدين». منذ شهرين تقريباً، يوجد مسؤولون محليون وعشائريون من صلاح الدين في النخيب لكفالة الفارين، لكن الأمر ليس يومياً وهناك من ينتظر وصول المسؤولين لأسبوع أو اثنين. وليس مطروحاً في الأفق تحرير المدينة في الوقت الحالي وفق مسؤولي حكومة صلاح الدين المحلية، حيث أن العمليات في الأنبار والقتال في بيجي قد يؤخران تحرير الشرقاط. وقال سبهان الملا جياد، وهو رئيس لجنة السياسات الخارجية في مجلس محافظة صلاح الدين ورئيس أكبر الكتل داخل المجلس، «الإصلاح»، أن «عمليات الأنبار وبيجي أخّرت انطلاق العمليات في الشرقاط، حيث الأنظار الى غرب البلاد، وكذلك فإن مدينة بيجي لم تحسم بعد». وأضاف جياد ل «الحياة»: عندما يتّم الانتهاء من الأنبار وبيجي، فإن الشرقاط ستكون سهلة جداً فهي آخر معاقل «داعش» في صلاح الدين ولا مجال له سوى الفرار نحو الموصل.