تشهد الأيام المقبلة سلسلة اتصالات سياسية بين الدول المؤثرة بالملف السوري تمهيداً لعقد «جنيف3» بين وفد النظام السوري وشريحة واسعة من المعارضة قبل نهاية العام الجاري مع جهد روسي لعقد الجلسة الثالثة من «منتدى موسكو» وسط إصرار دول غربية على «آليات ملزمة وضمانات» تنفيذ أي تسوية، في وقت يجري فريق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا محادثات مع المسؤولين السوريين نهاية الأسبوع المقبل لإقناعهم بالمشاركة في مجموعات العمل الأربع بالتوازي و «عدم الاكتفاء بملف الإرهاب». وتختلف أولويات روسيا من جهة وأميركا والدول الغربية من جهة أخرى، إذ إن موسكو تنوي عقد مؤتمر موسع على المستوى الوزاري على هامش اجتماع الجمعية العام للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل، لتفعيل مشروع الرئيس فلاديمير بوتن لتشكيل «تحالف ضد الإرهاب» بين دول إقليمية وكبرى بما في ذلك الجيش النظامي السوري، الأمر الذي تعتقد دول غربية وعربية أنه بمثابة «مساع لإعادة الشرعية تدرجياً للنظام من بوابة الحرب على الإرهاب». ضمن هذا السياق، اقترحت موسكو عقد جلسة ثالثة ل «منتدى موسكو» في روسيا أو جنيف بعد عقد لقاء بين الخارجية الروسية ومسؤولين في لجنة متابعة «موسكو-2» ومجموعة معارضة اقترحت من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عقد «جنيف3». وتعمل الخارجية الروسية على أن يضم «موسكو3» ممثلين من النظام وطيف واسع من المعارضة لإطلاق حوار سوري- سوري يؤدي إلى حكومة وحدة وطنية انطلاقاً من «بيان جنيف». وهنا، تتفق طهران مع موسكو على موضوع الحكومة الوطنية، لكنها تقترح فكرة احتمال أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة بوجود مراقبين دوليين والسماح للاجئين والنازحين بالانتخاب، مدخلاً للحل «تحت سقف الرئيس بشار الأسد». في المقابل، تسعى دول غربية وعربية إلى عقد مؤتمر وزاري بمشاركة دي ميستورا على هامش اجتماع الجمعية العامة في نهاية أيلول لإعطاء زخم سياسي لجهود المبعوث الدولي تمهيداً لعقد «جنيف3». ويعتقد مسؤولون في هذه الدول أنه ليس كافياً حل مشكلة تمثيل المعارضة وعدم احتكار «الائتلاف الوطني السوري» لتمثيل المعارضة، بل لا بد من وجود تفاهمات سياسية عميقة تؤدي إلى بداية الحل. وإذ تسير الأمور إلى تشكيل مجموعة اتصال من الدول الكبرى وإيران وتركيا والسعودية في تشرين الأول (أكتوبر) مع حرص بريطانيا وفرنسا على أن تكونا جزءاً من هذه المجموعة، فإن دولاً غربية تشترط موافقة مسبقة من إيران على «بيان جنيف» قبل الانضمام إلى هذه المجموعة، بحيث «يكون هناك وضوح في الهدف، وهو تشكيل هيئة حكم انتقالية». كما يجري تأكيد وجود «ضمانات وآليات ملزمة» لأي اتفاق سياسي يتم إعداده وإلا تبقى الأمور مرهونة باتفاقات على المبادئ، في «تفاهمات فضفاضة» ينجزها وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وهنا، اقترح بعض الدول إصدار قرار دولي من مجلس الأمن يتضمن تشكيل مجلس وطني أو هيئة الحكم الانتقالية وحصة كل من النظام والمعارضة والمستقلين فيها، مع برنامج زمني واضح لتشكيل الهيئة الدستورية ومواعيد الانتخابات. وفي موازاة ذلك، يصل السفير رمزي عزالدين رمزي إلى دمشق نهاية الأسبوع المقبل لإجراء محادثات مع وزارة الخارجية السورية لإقناع النظام بإرسال ممثليه إلى اللجان الأربع التي اقترحها دي ميستورا، باعتبار أن الجانب الرسمي لا يزال متمسكاً ب «أولوية محاربة الإرهاب» ولم يتراجع عن موقف عبر عنه في «جنيف2» وهو مناقشة موضوع الإرهاب ومناقشة «بيان جنيف» في شكل متسلسل قبل الوصول إلى بحث «هيئة الحكم الانتقالية»، إضافة إلى تحذيرات أرسلتها دمشق إلى أطراف دولية ب «عدم الإصرار على هيئة الحكم الانتقالية». وكان دي ميستورا أشار في إيجاز بمجلس الأمن، إلى أن الظروف «غير مهيئة» لعقد «جنيف3» بسبب الانقسام الكبير وعدم التوافق على الهيئة الانتقالية، مقترحاً تشكيل أربع لجان عمل تبحث «الأمن للجميع (عبر وضع حد للحصار وتقديم المساعدات الطبية والإفراج عن المعتقلين) والمسائل السياسية (بينها الانتخابات وحكومة انتقالية محتملة) والطابع العسكري (مكافحة الإرهاب واحتمال وقف إطلاق النار) وإعادة إعمار البلاد». وإذ ترى المعارضة وحلفاؤها بضرورة مناقشة الجانب السياسي وهيئة الحكم، يتمسك النظام ب «مكافحة الإرهاب»، تقترح الأممالمتحدة مفاوضات بالتوازي بين الملفات جميعاً. لكن لم يحسم بعد ما إذا كان المشاركون في هذه اللجان سيكونون سياسيين من النظام والمعارضة والمستقلين أم فنيين من دون تمثيل سياسي. كما لم يحسم الجدول الزمني بينها، وما إذا كانت اللجان ستعقد بالتوازي أم في شكل متسلسل، إضافة إلى أمور فنية تتعلق بعدد المشاركين ومكان الاجتماعات وآليات حصولها.