تقوم رواية الكاتبة الفرنسية أنغريد توبوا «ملك أفغانستان لم يزوجنا» - صدرت ترجمتها عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بتوقيع سوزان خليل - على فكرة استعادة محمد ظاهر شاه، مؤسس أفغانستان الحديثة، إذ تولى الحكم في السابعة عشرة من عمره عام 1933، وشهدت البلاد على يديه نهضة علمية وثقافية كبيرة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لكن رئيس وزرائه محمد داود خان قام عام 1973 بانقلاب عليه معلناً الجمهورية الأفغانية، ليتوارى ظاهر شاه لسنوات شهدت البلاد خلالها حرباً أفغانية روسية طويلة انتهت بتمزق أفغانستان، وظهور «طالبان» التي هيمنت على الساحة في مواجهة تحالف الشمال بقيادة حكمتيار وأحمد شاه مسعود. ومع مطلع الألفية استباح الأميركيون وتحالفهم البلاد عقاباً لها على إيواء جماعة «القاعدة» وزعيمها أسامة بن لادن. سعت أنغريد توبوا لتوجيه التحية إلى الملك الذي نقل البلاد من تخلف القرون الوسطى إلى مصاف الدول الحديثة. والرواية في مجملها تعد قصيدة غزل في أفغانستان كمكان ساحر، لكنه في الوقت نفسه يعج بالقسوة والدمار والخوف والتشوه، بالكبت والجنون وطبقات من التاريخ المدفون تحت السطح، وما كان من الكاتبة إلا أن مسحت بأطراف أناملها غبار ذكرى لقائها بمحمد ظاهر شاه قبل عودتها إلى بلادها، لنرى معها عالماً غير الذي عهدناه في نشرات الأخبار. يعد الإطار العام لنوفيلا أنغريد توبوا هو قصة الحب التي نشأت بين البطلة التي تتحدث طيلة العمل بضمير الأنا، وبين ناتان الذي يعمل في السفارة الأفغانية في فرنسا، فبدأت العلاقة بينهما حين ذهبت البطلة لإتمام تعاقدها على العمل كمدرسة للغة الفرنسية في جامعة كابول لمدة ثلاثة أشهر، وحين وصلت إلى الأرض الأفغانية كان ناتان في استقبالها لتبدأ بينهما علاقة حميمة طويلة مغلفة بإيقاع من الحب. لكن هذه العلاقة سرعان ما تفتر باستعادة ناتان علاقته بزوجته في فرنسا، فيبدأ في إهمال قصة الحب ويتراجع عن فكرة الزواج من البطلة لتنتهي العلاقة بعودة كل منهما إلى بلاده، وأن ملك أفغانستان الذي التقياه في قصره المحتفظ بشتى أشكال ومراسم الحكم، لم يزوجهما بقدر ما كان سبباً في إنهاء العلاقة بينهما. من السطور الأولى يتضح أن الكاتبة واحدة من المفتونين بالسياحة في الأماكن والبلدان الجديدة عليها، فقد أمضت عدداً من السنوات بين أندونيسيا والصين وبومباي والبلقان وبوليفيا وغينيا وأفغانستان التي كتبت فيها روايتها الأولى «ملك أفغانستان لم يزوجنا»، والتي نجد فيها حكمة تكونت عبر سنوات من الترحال بين عوالم وثقافات مختلفة، نجد مزجاً بين الماضي والحاضر كما لو أنهما مزيج واحد، نجد فتنتها بسحر المكان وقسوته وتنوع شخوصه وملامحهم وأفكارهم، نجد التفجيرات والقتل والهجوم والاختباء والصمت والخوف والأطلال الباقية من كل العلاقات الإنسانية والقري والبيوت المهدمة، نجد أنصاف حيوات تدور ما بين الحقيقة والخيال. سعت الكاتبة في عملها إلى رصد المأساة الأفغانية عبر نسيج رومانسي ذي طابع حسي، سواء من خلال رصدها للمكان ومعالمه ومدنه في الجنوب والشمال والشرق، أو من خلال رصد العلاقة التي جمعت بين البطلة وناتان، ولم تخجل أنغريد توبوا من تقديم الذات الأنثوية التي مثلها ضمير الأنا بوصفها الأكثر شهوانية وجسدانية، وجاء رصدها لبكارة المكان وسحره معادلاً طردياً لتقديم الحب في حالته الشهوانية، ويمكن القول إنها قدمت طرحاً لرؤية الجسد الأنثوي لا يختلف عما طرحه فكر المستشرقين القدامى، ولا ندري هل ذلك لهيمنة فكر الاستشراق على خيالها ككاتبة أم لأن النهضة التي أحدثها محمد ظاهر شاه سقطت بسقوط دولته وعادت البلاد إلى العصور الوسطى من جديد بسيطرة طالبان والقاعدة عليها منذ منتصف التسعينات. يمكن القول إن الرواية أقرب إلى التوثيق منها إلى التخييل، ومن ثم فمجملها يجيء في إطار المذكرات، ما عدا فكرة اللقاء بالملك محمد ظاهر شاه، والتي رصدتها المؤلفة في الفصل الأول والفصل الأخير، حتى أننا لا نعرف إن كان اللقاء تم مع الوصول إلى أفغانستان أم قبيل الخروج منها، هذا اللقاء الذي يبدو بأجوائه الأسطورية في السرد منفصلاً عن النص تماماً، ولا توجد من الروابط بينه وبين العوالم الواقعية التي رصدتها الكاتبة بدهشة واضحة سوى أن يسعى القارئ للمقارنة بين زمن محمد ظاهر شاه وما صارت عليه البلاد. فانغريد توبوا لم تسع لإظهار النهضة التي حدثت في عصر ظاهر شاه إلا عبر الحديث عن دار سينما في القصر المتخيل لملك أفغانستان، ورغم أن اللقاء تمَّ بين الكاتبة وبين آخر ملوك أفغانستان ظاهر شاه عام 2004 إلا أنها لم تحدثنا عن الوجود الأميركي في البلاد، ولم تذكر من قريب أو بعيد اسم بن لادن أو القاعدة أو الملا محمد عمر، واكتفت بذكر شاه مسعود وحكمتيار والإشارة إلى الصراع بين طالبان وتحالف الشمال، اكتفت برصد مشاهد التفجير والقتل وعبور الممرات وصعود الجبال وتنويعات الثقافة تارة برائحة روسية وأخرى برائحة فارسية، اكتفت باستحضار محمد ظاهر شاه من سباته الطويل لتقدمه على أنه شخصية واقعية التقت بها هناك، والمدهش أن الرواية تفوز بجائزة في فرنسا عام 2007، وهو العام نفسه الذي مات فيه آخر ملوك أفغانستان، من دون أن ندري هل كانت المؤلفة تقصد بفكرة الزواج في عنوان روايتها الارتباط بين ناتان وبطلة العمل، أم تقصد به نهضة أفغانستان ولحاقها بقطار الحداثة والمدنية التي سرعان ما تآكلت وانتهت بسقوط مُلك ظاهر شاه في سبعينات القرن الماضي.