تتجه دول مجلس التعاون الخليجي صوب تبني فلسفة جديدة في تحديث اقتصاداتها وتنويع مصادر إيراداتها حتى لا تعتمد على النفط كمصدر وحيد لتغذية موازناتها، وهي تفكّر جدياً في فرض ضرائب لم تكن معتمدة لسنوات، ومنها الضريبة على القيمة المضافة (ضريبة المبيعات)، التي يُتوقع أن تكون الإمارات المبادرة إلى تطبيقها بنسبة تراوح ما بين ثلاثة وخمسة في المئة، ما يُعتقد أنه سيُطبّق في دول خليجية أخرى أيضاً. وسبق لدول المجلس أن أقرت خلال أيّار (مايو) الماضي اتفاقاً يتيح لدوله اتخاذ الإجراءات الداخلية للبدء في تطبيق هذه الضريبة. وجاءت الخطوة الإماراتية في رفع الدعم عن المحروقات كفاتحة للإجراءات الجديدة التي تريدها دول مجلس التعاون لتخفيف العبء عن موازناتها من ناحية، وللحفاظ على ثرواتها الطبيعية من ناحية أخرى. وقال المسؤول عن قسم الضرائب غير المباشرة في «ديلويت الشرق الأوسط»، ستيورت هالستيد، ل «الحياة»: «الخطوة الإماراتية في رفع الدعم عن الوقود، وبغض النظر عن اي أسباب أخرى، ستضع التخطيط المالي تحت الضوء في كل دول الخليج». وأفاد هالستيد، الذي يتمتع بخبرة واسعة في المنطقة وسبق له أن عمل مع العديد من الحكومات على تطبيق الضريبة على القيمة المُضافة، بأن «حقيقة أن حكومات دول مجلس التعاون لا تتحكم كثيراً قي بند الإيرادات في موازناتها بسبب الدور الكبير لعائدات النفط، تسبب مشاكل لهذه الحكومات ويُرجّح أن تستمر لبعض الوقت ما لم تجرِ معالجتها». ولفتت «ديلويت»، في ورقة عمل حصلت «الحياة» على نسخة حصرية منها، إلى أن بدء الإمارات في تطبيق رفع الدعم عن أسعار الوقود منذ مطلع الشهر الجاري سيثير نقاشاً في شأن الإصلاحات الضريبية في دول مجلس التعاون. وبما أن الإمارات تواجه تراجع أسعار النفط بنحو 50 في المئة، في ظل غياب أي مؤشرات إلى انتعاشها، فإن إجراءً ما كان يجب أن يُتخذ للمساهمة في إعادة التوازن إلى الموازنة. رفع الدعم عن الوقود وجاء في ورقة العمل: «إذا كانت دول الخليج الأخرى ستأخذ المنحى ذاته الذي سلكته الإمارات قي رفع الدعم عن أسعار الوقود، فإن ذلك يبقى غير واضح حتى اللحظة، لكن الخطة الإماراتية ربما ستساهم في حفز صنّاع السياسات في الدول الأخرى على اقتفاء أثرها بسبب تشابه الظروف بين بلدان المجلس». واعتبرت «ديلويت» أن قرار دول الخليج بالتوجّه نحو إقرار ضريبة على القيمة المضافة سيكون خطوة أساسية في نقاش دام لعقد كامل في شأن تعزيز الاستقرار في العائدات الحكوميّة، خصوصاً أن الخطوة الإماراتية في رفع الدعم عن المحروقات تنطوي على مقاربة قررتها الحكومة لإدارة الموازنة العامة. وتُعتبر الضريبة على القيمة المُضافة أداة ماليّة رائجة لعدد من الأسباب أهمها فاعليتها وسهولة تطبيقها وإدارتها، ولضآلة تأثيرها في قرارات الاستثمار مقارنة بأي نوع من الضرائب المباشرة الأخرى. ويكتب العامل الأخير أهمية كبيرة إذ لا تريد الحكومات أن تؤمّن مصدر دخل جديد من الضريبة على القيمة المُضافة مقابل خسارة استثمارات من القطاع الخاص. أما عن التأثيرات والانعكاسات لتطبيق الضريبة على القيمة المُضافة، فإن فرضها على نطاق واسع وبنسبة محدودة تصل إلى خمسة في المئة مثلاً غالباً ما يكون له انعكاس طفيف على نمو الناتج المحلي الإجمالي، إذ يمكن أن يتراجع بنحو واحد في المئة، كما أن هذه الضريبة يمكن أن تؤثر سلباً، لكن في نحو محدود، في خلق فرص عمل. وتستطيع الحكومات تدريجاً تلافي النسبة البسيطة لتراجع الناتج المحلي من خلال تعزيز الإنفاق الحكومي والاستثمار. كذلك فإن الانعكاسات التضخميّة لهذه الضريبة محدودة وتقتصر على الفترة التي تلي تطبيقها مباشرة. اختلافات محدودة ووفق «ديلويت» فإن عدداً محدوداً من الاختلافات تكمن في تطبيق الضريبة على القيمة المُضافة بين دولة وأخرى، ويُستبعد وجود فوارق في النسبة الأساس للضريبة على القيمة المُضافة، على رغم احتمال إعفاء بعض البضائع والخدمات منها لأسباب اجتماعية أو تتعلق بتطبيق الضريبة. وتابع هالستيد: «تطبيق الضريبة على القيمة المُضافة يبدو مقاربة مناسبة بالنظر إلى الحاجات المطلوب مواجهتها (...) صنّاع السياسة لا يريدون مقايضة أي نمو اقتصادي بإيرادات حكومية، لكن إذا لم يكن هناك بدّ من ذلك فإن الضريبة على القيمة المضافة ستكون الخيار الأفضل لذلك». وأوضحت رئيسة قسم الضرائب غير المباشرة والسياسات المالية في «بي دبليو سي - الشرق الأوسط»، جنين ضو، أن الهدف من اعتماد الضريبة على القيمة المضافة هو تنويع مصادر الإيرادات في الموازنات الخليجية، وقالت: «هناك العديد من المواضيع التي تحتاج حكومات المنطقة إلى مواجهتها، إضافة إلى أن تراجع أسعار النفط ما سيشكّل ضغوطاً تنعكس على استمرارية تدفق الإيرادات (...) كل هذه العوامل شكلت خلال السنوات الماضية حاجة إلى وجود مقاربة أشمل للجانب الضريبي مما هو موجود اليوم». وقالت ل «الحياة»: «الإمارات تعتمد حالياً في جانب الإيرادات الضريبية على عدد من الرسوم والضرائب المحدودة، وهي تفتقد إلى ضريبة أكثر شمولية كالضريبة على القيمة المضافة». ولم تنفِ وجود أثر لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة على سمعة دول الخليج كمكان لا تُفرض فيه الضرائب عموماً، لكنها أضافت: «يتوقف مدى ذلك إلى حد بعيد على كيفية تسويق هذه الضريبة والتواصل مع الناس في شأنها، وذلك مرتبط بالنسبة الضريبية التي ستُعتمد، وعلى سبيل المثال فإن الأوروبيين اعتادوا على دفع ضريبة على القيمة المضافة تصل إلى 20 في المئة، وبالمقارنة فإن فرض ضريبة بنسبة خمسة في المئة سيكون مقبولاً جداً». وتابعت: «ستبقى الإمارات ودول الخليج جاذبة للباحثين عن الوظائف لأنها توفّر فرصاً لا تتوافر في الخارج». القرارات الاستثمارية وفي شأن الانعكاسات المُتوقّعة على القرارات الاستثمارية، قالت ضو: «الشركات اليوم في الإمارات لا تتعرض إلى أي نوع من أنواع الضرائب، ولذلك فإن غياب الضرائب عامل مهم من عوامل صناعة القرار الاستثماري، لكن كما هو معروف فإن الضريبة على القيمة المضافة تطاول المستهلك أولاً، وبالتالي فإن الشركات تجبي هذه الضرائب من المستهلكين وتسددها إلى الحكومة، وبما أن هذا النظام سهل التطبيق ويعطي للشركات الصلاحية لجمع الضريبة فإن ذلك لن يؤثر عملياً في قراراتها الاستثمارية». وتوقفت عند ضرورة النظر إلى الأبعاد التضخمية لقرار فرض هذه الضريبة وصرّحت: «نحن في «بي دبليو سي» لم نُجرِ هذه الحسابات، إلا أن الحكومات عموماً ستكون لها مقاربتها الخاصة في هذا الشأن لدرس التداعيات، وربما ستدرس إلغاء بعض الرسوم والضرائب المعتمدة حالياً لتجنب الازدواج الضريبي، كما كانت الحال في لبنان مثلاً عند بدء تطبيق الضريبة على القيمة المضافة». واختتمت: «حان الوقت لدول الخليج لأن تلحق بالنمط العالمي السائد في تطبيق الضريبة على القيمة المضافة والمعتمد في 150 دولة حول العالم».