هل يمكن أحداً إحصاء عدد الأخبار التي أتت من هذه العاصمة العربية أو تلك، خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، متحدثة عن فيلم من هنا أو آخر من هناك بوصفه سيشرّف دورة هذا العام من مهرجان «كان» بحضوره؟ في النهاية أعلنت ظهر أمس أسماء الأفلام التي ستعرض خلال الدورة آتية من شتى أنحاء العالم. ومن بين كل الأفلام العربية التي كان كثر تحدثوا عنها، نفد فيلم عربي واحد بجلده، هو «الزمن الباقي»، لإيليا سليمان... هو فيلم جديد من فلسطين التي اعتادت خلال السنوات الفائتة أن تمثل، وحدها، تقريباً، كل السينمات العربية في «كان» وفي غير «كان»، وأحياناً – ويا للغرابة! – الى جانب أفلام يحققها مخرجون إسرائيليون باتت تعتبر شوكة في خاصرة اليمين الإسرائيلي، كي لا نتحدث إلا عنه. فيلم إيليا سليمان الجديد، والذي ينجز آخر اللمسات عليه في هذه الأيام، هو العربي الوحيد في التظاهرات الرئيسة في «كان» الذي يقام بين 13 و24 أيار (مايو) المقبل... لكنه، لن يكون أي فيلم كان... ذلك أن سليمان يروي في هذا الفيلم، وعلى طريقته الفريدة، أكثر من نصف قرن من تاريخ فلسطين وتاريخ «القضية» مقسماً إياها على أربع مراحل، تتشابك فيها التواريخ الكبرى بالتواريخ الصغرى: يلتقي ضياع فلسطين بحكاية غرام فؤاد وثريا... هنا عبر الضياع والمعارك، وعبر خيبات الحب، وفي حضور شخصيات أخرى وأماكن أخرى، يحاول سليمان أن يروي ما نفترض أنه لم يرو بعد. طبعاً حتى الآن لم يشاهد أحد الفيلم بكامله، لكننا نعرف حكايته... ولأننا، وغيرنا، بتنا نعرف سينما إيليا سليمان جيداً، من أعماله القصيرة حتى فيلميه الكبيرين «تاريخ اختفاء» و «يد إلهية»، يمكننا أن نتوقع – أن نأمل بالأحرى – أن يحقق «الزمن الباقي» بعض، أو كل، أو أكثر مما، حقق «يد إلهية»، حين نال ثاني أكبر جائزة في «كان» عام 2002. مهما يكن، عودة إيليا سليمان مرة ثانية الى «كان» مأثرة في حد ذاتها، في هذا الزمن السينمائي العربي المربك... و «الزمن الباقي» الذي عليه أن ينال رضا وإعجاب لجنة تحكيم ترأسها إيزابيل هوبير، لا ينافس أعمالاً هيّنة، هذه المرة أيضاً... فحين تكون متبارياً مع بدرو المودوفار (في «عناقات محطمة») وماركو بيلوكيو (في «انتصار») وجين كامبيون (في فيلمها الجديد «نجم براق»)، ومايكل هاينكي وانغ لي وكين لوتش (في جديده «البحث عن اريك»)، ثم خصوصاً المخضرم آلان رينيه (في عودة الى «كان» بعد عقود من الغياب في «العشب المجنون») وكذلك الكبيرين لارس فون تراير (في «عدو المسيح») وكوينتن تارانتينو (في «بناديق سيئو السمعة»)... لن تكون مهمتك هيّنة. ولكن أولم يعرّف إيليا سليمان نفسه ذات مرة بأنه «سينمائي المهمات الصعبة»، لا سيما حين يقف وراء الكاميرا وأمامها في وقت واحد، كما كانت حاله دائماً تقريباً، وكذلك هذه المرة أيضاً؟ وبعد كل شيء هل هناك، يا ترى، ما هو أصعب، كمهمة، من أن تعرض تاريخ فلسطين خلال عقود، أمام جمهور من الواضح أن أزمة العالم الاقتصادية دفعته الى السأم من السياسة وأهلها، ثم تأمل بألا تخرج من «المولد بلا حمّص» بعد كل شيء؟