انقسم مثقفون سعوديون بين غالبية مؤيدة لفرض إجراءات مشددة في المطارات الأميركية، وأخرى رافضة لها. وعزت الأكثرية تأييدها إلى «حق كل دولة تأمين مواطنيها من أي خطر»، لكنها اعترضت على تحديد جنسيات معينة تطبق عليها القوانين دون سواها، في حين وصف مثقفون الخطوة بالعنصرية، وبأنها تحطّ من كرامة الإنسان. واعتبر الشاعر والصحافي عبدالوهاب العريض أن ما تقوم به السلطات الأميركية تجاه المواطنين السعوديين «أمر مبالغ فيه إعلامياً»، مشيراً إلى أن الكثير ممن سافروا خلال الفترة لم يواجهوا أية مشكلات، «بل على العكس من التوقعات فقد استقبلوا استقبالاً جيداً». وقال: «من حق كل دولة أن تضع اشتراطات لدخول الأجانب إلى بلادها كإجراء أمني واحترازي، يحفظ للبلد أمنها وسلامتها». وتشير الدكتورة حسناء القنيعير إلى أن كل بلد يسعى للحفاظ على أمنه وسلامة مواطنيه بكل الوسائل المتاحة، معتبرة ذلك «حقاً مباحاً لها». وتضيف: «أشعر بالأمان حين أجد دولاً تشدد في إجراءاتها التفتيشية في المطار، أو عند إصدار التأشيرات، فكل إجراء أمني يعني ضمان حمايتي وحماية أرواح الآخرين، فهو امر يبعث على الطمأنينة، والعكس صحيح». وتتابع القنيعير: «اختلط الحابل بالنابل أخيراً، فلم تعد هناك معايير تفرق الإرهابي عن غيره، فتجنيد الإرهابيين امتد لكل الأطياف والأجناس والجنسيات، الغنية والفقيرة وذوات العيون الزرقاء، فكلنا أصبحنا في دائرة الشك». في المقابل، أبدى الدكتور معجب العدواني انزعاجه من هذه الإجراءات إن كانت كما أعلن عنها في الصحف. وقال: «المسافر ليس لديه ممانعة في أن يتعرض للفحص عن طريق أشعة خاصة، أو أن يتعرض للمساءلة والاستجواب في حال وجود شكوك ما، لكن أن تصل درجة التفتيش إلى الملامسة الجسدية الخاصة، ففيها انتهاك للكرامة الإنسانية، ومن حق أي إنسان يتعرض للإهانة ولم تثبت إدانته أن يقاضي هذه الجهات رداً لاعتباره». وطالب العدواني بتعامل خاص مع الطلبة السعوديين المتواجدين في أميركا بالآلاف، لا سيما أن الولاياتالمتحدة دائماً ما تحدثت عن نشر روح العدالة والحرية والديموقراطية في العالم. أما الكاتب منصور النقيدان فوصف الإجراءات ب «الطبيعية جداً»، مؤكداً أنها تحتاج إلى بعض الوقت لاستيعابها، ومرجحاً أن تكون «وقتية». وقال: «أميركا دولة علمتنا قاعدة الحريات، وعلمتنا ما هي حقوق الإنسان، وتقبل الآخر المختلف، ونشرت مبادئ احترام الأديان والحريات والطوائف وألغت التمييز بكل أشكاله»، متسائلاً: «لا أعرف لماذا يغضب السعوديون من إجراءات كهذه، فهي تضمن لبلدانهم الأمن والسلام؟». وأضاف: «الأجدر بنا أن نلتفت لما لدينا من مشكلات تفتت وحدة الوطن، وننتصر لحقوق الإنسان السعودي، ونلتفت لحقوق المرأة والطفل، ونلغي العنصرية القبلية والمذهبية، ونعطي قيمة وكرامة للإنسان باختلاف جنسيته». ونوه النقيدان إلى ما يحصل من انتهاكات ضد بعض الوافدين في مطارات سعودية، «يكفي أن نشاهد مناظر تحدث في المطار السعودي أمامنا، حين يقوم بعض الموظفون بالإساءة اللفظية وغيرها للعمالة القادمة من شرق آسيا وغيرها، مبدين مظاهر الاحتقار وعدم الاحترام لهم، فالأولى أن نحسن تعاملنا وصورتنا مع الآخرين، ليحق لنا الشكوى حين نشعر بأنه يساء إلينا». ويجد الكاتب عبدالعزيز السماعيل أن من حق أميركا فرض الإجراءات التي تراها مناسبة لأمن بلادها، فلها مبرراتها الخاصة، لكنه اعترض على تحديد جنسيات معينة تطبق عليها الإجراءات دون سواها، «لا يجب أن تتسم هذه الإجراءات بالعنصرية والتمييز تجاه جنسية ضد أخرى، فمن المؤكد أن هناك من سيظلم في الأمر». ابن بخيت : «تصنيف» إسرائيلي وصراع حضاري قال الكاتب السعودي عبدالله بن بخيت إنه «لن يفهم قرار تفتيش رعايا بعض الدول تفتيشاً مهيناً إلا من يفهم الصراعات واللوبيات في واشنطن». وفسّر ابن بخيت نظريته، بقوله: «واشنطن تعيش حال عزلة حتى من الشعب الأميركي. من يقرأ قائمة الدول المعنية بقرار التفتيش سيجد أنها مصنفة تصنيفاً إسرائيلياً»، وزاد: «زُجّ باسم كوبا من باب ذر الرماد في العيون، ولا علاقة بتلك الإجراءات بالأمن ومحاربة الإرهاب». وأضاف: «من الواضح أن من صاغها أراد أن يصب مزيداً من النار على العلاقة بين أميركا والشعوب الإسلامية، وأن يعطي الإرهاب العالمي قوة دفع جديدة، تجعل الصراع بين الشعوب الإسلامية وبين أميركا حرباً صليبية لا رجعة فيها»، مؤكداً أن الإجراءات ستزيد أعداد المتعاطفين والمبررين للأعمال الإرهابية بين الشعوب الإسلامية. واعتبر ابن بخيت الإجراء «تعبوياً» و«موجهاً بدقة»، لدفع الصراع بين أميركا والشعوب الإسلامية ليكون شبيهاً بالصراع بين المسلمين وإسرائيل، لكي تنتقل أميركا إلى الخانة نفسها التي تقف فيها إسرائيل، متسببة في حرب حضارية تضرب بجذورها في أعماق الوجدان الجمعي. وألمح إلى أن السعودية مستهدفة إعلامياً، «تابع الحملات الإعلامية التي يشنها المحافظون المتعاطفون مع إسرائيل، فأي شيء يحدث في السعودية تجد الإعلام الإسرائيلي في الانتظار». وأوضح أن قرار تفتيش السعوديين تفتيشاً مهيناً سيلحق ضرراً كبيراً بالعلاقة بين الشعبين الأميركي والسعودي، متمنياً من الديبلوماسية السعودية أن تلقي بثقلها كاملاً لوضع حد لهذا القرار.