اعتبر مثقفون وتشكيليون الفترة التي تسلم فيها الروائي عبدالله التعزي إدارة جمعية الثقافة والفنون بجدة، ذهبية بامتياز، أربعة أعوام تحولت، بفعل إدارة التعزي، إلى لحظة فارقة، ليس على مستوى فرع الجمعية في جدة، إنما في شكل عام، فالأنشطة المميزة والنوعية، والمزج بين الأنواع الأدبية والفنون في الأنشطة المنبرية، كانت سمة ثابتة. جمع التعزي النص الشعري بالموسيقى، وتجاوُر الفنون وأنماط التعبير خلق نوعاً من الحيوية وفتح الأنشطة المبرية على إمكانات لم تكن متوافرة في ما مضى. كل ذلك أسهم في استقطاب جمهور جديد لنشاطات الجمعية، ونقل النشاط المنبري من «نمطيته» إلى أفق جديد، يأخذ في الاعتبار متطلبات اللحظة الراهنة التي تعج بالجديد. «الحياة» التقت عبدالله التعزي، بعد مغادرته جمعية الثقافة والفنون، لتحاوره حول الفترة التي قضاها فيها، والتحديات التي واجهته. إلى نص الحوار: عندما عملتَ مديراً لجمعية الثقافة والفنون بجدة.. ما التحديات الكبرى التي كانت الجمعية تواجهها؟ - المقر كان أهم مشكلة كان لا بد من حلها، قبل أن أي اتجاه جديد في فعاليات الجمعية. وقد كانت الفرصة سانحة في مقر النادي الأدبي بجدة القديم، بعد أن تم بناء مقر جديد للنادي، تكفل به أبناء السيد حسن عباس شربتلي. وكنت في ذلك الوقت عضواً في النادي الأدبي وعلى اطلاع بمراحل النقل إلى المقر الجديد. وقد عرضت فكرة انتقال الجمعية إلى مقر النادي على الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئيس مجلس إدارة النادي في ذلك الوقت، ورحب بالفكرة وعلى رغم الظروف المربكة لانتخابات أعضاء مجلس إدارة النادي في تلك الفترة، لكن مجلس إدارة النادي أقر بالإجماع دعم الثقافة والفنون في جدة وبسخاء، بإعطاء مقر النادي الأدبي بجدة القديم لجمعية الثقافة والفنون بجدة خمس سنوات ومن دون مقابل، وهو ما وفَّر على الجمعية ما مجموعة مليون ريال قيمة إيجار المقر الحالي خمس سنوات، على اعتبار أن الإيجار لن يرتفع مع الوقت. وقد كان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان متابعاً باستمرار تطورات الدعم السخي، الذي قدمه رئيس وأعضاء مجلس إدارة النادي الأدبي بجدة، وهو دليل صارخ على أن النادي دائماً مبادر في تقديم ودعم الثقافة بكل الطرق والوسائل في مدينة جدة. التحدي الثاني ظهر بعد تسلم مبنى النادي القديم، والذي كان مجهزاً ليكون مقراً لنادي الأدبي وليس لنشاط جمعية الثقافة والفنون والذي هو مكمل لنشاط النادي، وربما يتقاطع معه في بعض الفعاليات. وقد كان للدعم المادي من مجلس إدارة الجمعية بالرياض ومديرها العام عبدالعزيز السماعيل دور كبير، ولكن الدور الأهم والأكبر كان لدعم الأديب أحمد باديب؛ إذ دعم بسخاء ووضع كل إمكانات إحدى شركات المقاولات التابعة له في خدمة حاجات مقر الجمعية، فتم تحديث التكييف للمقر واستبدال وحدات كبيرة تصل كلفة بعضها إلى 45 ألف ريال، وعمل معظم أجزاء صالة الفنان عبدالحليم رضوي للفنون التشكيلة. وتحديث كل الخرائط التابعة لذلك. أعتقد بأن مجمل الدعم الذي قدمه الأديب أحمد باديب يصل إلى نصف مليون ريال في عام 2012، قدمها الرجل بصمت بعيداً عن الضجيج الإعلامي ولم يطلب في مقابلها شيئاً، بل كان من الداعمين لنشاطات الجمعية بحضوره المستمر ومناقشته الثرية النابعة من حبه لمدينة جدة. الكثير يتحدث عن أن الفترة التي عملت خلالها في الجمعية هي الفترة الذهبية في ضوء الموازنة الضئيلة.. هل ثمة دخل آخر للجمعية؟ - لم يكن هناك دخل للجمعية من نشاطاتها، بل مواردها تأتي من المركز الرئيس في الرياض، بعد مناقشة بنود الموازنة المقترحة. ولكن كان هناك دعم بين الحين والآخر وبصورة مباشرة وغير مباشرة من بعض المحبين الذين يرفضون ذكر أسمائهم، ويهمهم أن تظهر نشاطات الجمعية بصورة أكثر تألقاً والتصاقاً بالمجتمع في مدينة جدة. ومن بعض الداعمين وبصورة مستمرة أذكرهم من دون ترتيب معين وهم: مستشار خادم الحرمين وأمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل ومحافظ محافظة جدة الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز ووكيل المحافظ محمد الوافي ومدير الشؤون المحلية بالمحافظة عبدالله بن ضاوي وأمين مدينة جدة الدكتور خالد أبو راس ووزير الثقافة والإعلام سابقاً إياد مدني ونائب رئيس الغرفة التجارية والصناعية بجدة المهندس مازن بترجي وكثير من الأمراء والوزراء والقناصل الممثلين لدولهم في مدينة جدة، والأصدقاء الفنانين بكل أطيافهم فضلوا أن تكون أسماؤهم بعيدة عن الإعلام. فلهم جزيل الشكر والتقدير على دعمهم المميز للجمعية، وإظهار الجمعية بالصورة الذهبية التي ذكرت. ما حجم التعاون مع نادي جدة الأدبي، بما أنك في المكان نفسه، وما إيجابيات هذا التجاور وسلبياته؟ - النادي الأدبي بجدة منارة جميلة ورائدة، والتعاون معه من المؤكد أن يكون له أثر كبير على الساحة الثقافية، إذا استُغل وقُدم بالصورة المطلوبة. والأصدقاء الأكاديميون في مجلس الإدارة الحالي لديهم الكثير من الطموحات الأكاديمية يقدمونها عبر النادي على شكل نشاطات وفعاليات. وما تقدمه الجمعية وتطمح إليه هو بعد الانتهاء من المناقشات الأكاديمية، هو انطلاق المثقف نحو الحياة الإنسانية بكل بهجتها وعذابها ودروبها المتعرجة وناسها البسطاء والمسحوقين. هنا يأتي الدور المشترك للنادي والجمعية في وضع أقدام المثقفين في مدينة جدة أمام أجزاء من هذه الحياة الإنسانية، وتقديمها بصورة محفزة بعيدة عن البلادة المستهلكة. وهذا بالتأكيد سيحفز المثقف ويدفعه إلى التفاعل مع الأنشطة بالحضور والمشاركة وفي أوقات بالكتابة والنقاش حول النشاطات على صفحات الجرائد، سواء الورقية أم الالكترونية وحتى مواقع التواصل الاجتماعي من «تويتر» و«فيسبوك». وإذا وصل التفاهم بين الأنشطة في النادي والجمعية إلى هذه المرحلة، سيكون هذا من الإيجابيات التي يتمنى معظم المثقفين وجودها. والسلبيات إذا كانت هناك سلبيات من تواجد الجمعية والنادي في المبنى نفسه هي بسيطة، ومن الممكن تجاوزها في مقابل الإيجابيات الكبيرة والكثيرة الناتجة من هذا التجمع الثقافي والفني الجميل. بعضهم يتهم الجمعية بأنها تحولت إلى ما يشبه المؤسسة التجارية، إذ تقوم بتأجير وبيع تذاكر والحصول على نسبة من المبيعات، ما الأسباب التي جعلت الجمعية تلجأ إلى لذلك إن صح؟ - الأصدقاء في إدارة الجمعية الآن بقيادة المخرج عمر الجاسر جميلون، ويقومون بعمل نوعي مميز يشكرون عليه. وأتمنى لهم التوفيق وتقديم الأفضل والأجمل بما يحملون من طموح وروح عالية. أتمنى أن تستمر في التصاعد. أنا لست مطلعاً على أمور الجمعية المالية ومواردها حالياً، ومن الصعب الحكم على نشاطاتها عن بعد. وأعتقد بأن الأصدقاء الآن في إدارة الجمعية لديهم تفاصيل أكثر، وهم قادرون على إيضاح الصورة بدقة أكثر مني. قبل أن تغادر الجمعية.. ما الذي حققته من نجاحات وما العثرات التي واجهتها؟ - دخولي الجمعية كان سريعاً ولم أخطط له، وخروجي منها أيضاً، وهذا يجعلني في ارتباك من السؤال. أنا اجتهدت مع الكثير من الأصدقاء الذين عملنا سوياً في الجمعية وتساعدنا مع بعض، لنقل الجمعية من مكانها ونوعية نشاطاتها من جميل إلى أجمل. وهم أصدقاء كثيرون منهم من كان يعمل في الجمعية ولجانها وكثيرون من خارج الجمعية وتجمعني صداقات معهم إلى اليوم، فقد كنا فريق عمل واحد نكمل بعضنا بعضاً لخدمة الثقافة والفن في مدينة جدة. أما العثرات التي واجهتها فلم أكن أعتبرها عثرات، بل كانت في إطار المواضيع التي تحتاج إلى زمن طويل ليتم تنفيذها أو حلها. لذلك كان التنقل بين المواضيع يتم عن طريق الحلول إن صح التعبير. من أهم هذه المواضيع التي كنت أتمنى أن تتم في الجمعية ولم يسعفني الوقت، هو المشاركة في بناء مبنى مجهز ومتكامل للجمعية يضم كل لجان الجمعية ونشاطاتها، ويحتوي على أماكن مجهزة للدورات الفنية ومراسم للفنانين، ومسرح بدورين يتناسب مع نظرة المجتمع في الفترة الحالية، ويكون نواة لمعهد فني يقدم الدعم للمصورين والرسامين والفنانين بصورة عامة في مدينة جدة. وهذا الموضوع أعتقد أن الأمير خالد الفيصل مشكورا ًدعم الجمعية شخصياً وأزال كل العوائق المادية، التي كانت تقف في سبيل تنفيذ هذا المشروع، الذي سينفذ على مساحة تبلغ 40 ألف متر مربع، للجمعية 5 آلاف متر منها والبقية لإقامة مركز فني عالمي للفنون الجميلة، من تشكيل وتصوير. عبدالله التعزي الروائي.. ما جديده؟ - خلال فترة تواجدي في أميركا كنت أهرب من الظروف الصعبة، التي كنت فيها بالكتابة والقراءة بصورة مكثفة. وقد نتج من هذا ثلاثة أعمال روائية، كنت قد بدأت كتابتها، ولكني أنهينها خلال تلك الفترة. وأنا الآن في مرحلة المراجعة التي لن تنتهي إلا بطباعة الأعمال كما هو معروف. وأتوقع أن يتم صدورها تباعاً خلال الأيام المقبلة وبحسب ظروف النشر. لديك رواية بعنوان «تاريخ البيت» يقال إنك تراهن على نيلها جائزة الشارقة للإبداع الروائي التي تقدمت إليها.. ما سر هذا الرهان؟ - «تاريخ البيت» هي إحدى الروايات التي انتهيت من كتابتها، ومع الأسف لم أتقدم بها إلى جائزة الشارقة وإن كنت فكرت في ذلك من قبل. وليس هناك سر، كل ما في الأمر أن هذا العمل استمر معي أكثر من 12 سنة. وهي مدة طويلة نسبياً لم أتوقع أن أستمر خلالها في كتابة عمل واحد، والذي تحول إلى ما يشبه اللعنة. لديك مشروع حالي حول كتابة يوميات تتعلق بابنك - شفاه الله-.. ما الذي تحاول أن تقدمه من خلالها؟ - فعلاً مرض ابني وتواجدي معه خلال السنتين الماضيتين (في مدينة هيوستن في ولاية تكساس في الولاياتالمتحدة الأميركية) دفعني إلى كتابة يوميات على لسانه. مع العلم أنه فقد القدرة على النطق منذ بداية العلاج، وفي تلك الفترة كنت أتفاهم معه عن طريق العيون فقط، لذلك كتبت اليوميات على لسانه. وعلى رغم أنه استعاد النطق مرة أخرى إلا أني استمررت في كتابتها بالطريقة نفسها إلى نهاية العلاج في بداية هذه السنة. واليوميات أيضاً في مرحلة الصياغة النهائية، أتمنى أن أنتهي منها قبل نهاية هذه السنة. وعنوانها «فتحت باب العالم مرة أخرى».