لا تزال ذيول إعلان حظر التجول المفاجئ في بغداد في 12 كانون الثاني (يناير) تتفاعل في الاوساط السياسية العراقية وسط حديث قديم يتجدد بين الحين والآخر، خصوصاً مع كل حادث امني كبير في العاصمة، وتبادل الاتهامات وتوجيها الى المسؤولين الامنيين، والقلق من اخطار محاولات انقلاب عسكري يقوم به تحالف بين ضباط من مختلف الطوائف ومن تيارات سياسية متقاربة المصالح تتأصل فيهم «النزعة الانقلابية» السائدة منذ العام 1941. وجاء حظر التجول الاخير، نتيجة حتمية لتحرك وحدتين عسكريتين على حدود العاصمة، وكإجراء احترازي لما تأسس في اذهان الطبقة السياسية الحاكمة استمد ديمومته من غياب الثقة السياسية بمكونات منظومة الأمن العراقية (شرطة وجيشاً) من جهة، وبروز مخاوف جدية من تغير حاسم في الموقف الأميركي من الطبقة السياسية العراقية الحالية. وكان الرئيس جلال طالباني حذر قبل ايام من ان احتمالات انقلاب عسكري على المدى البعيد، في وقت تركزت تحذيرات رئيس الوزراء نوري المالكي فقط على منع البعثيين من الوصول الى السلطة. وتتألف منظومة القوى العسكرية في العراق من نحو مليون شخص، بين قوى الجيش والشرطة وميليشيات تابعة لعدد من القوى السياسية الاساسية بعدما تمت اعادة بناء القوى العسكرية التي خضعت لوساطات وضم الانصار والمحسوبين واعضاء في الميليشيات السابقة وبعض التائبين او النادمين على العمل مع النظام السابق. وكانت عمليات تعيين العسكريين جرت على نطاق واسع في عهود حكومات اياد علاوي وابراهيم الجعفري ونوري المالكي وخضعت لاعتبارات حزبية وأخضع المنتسبون والضباط ومعظمهم من «منتسبي الجيش والشرطة سابقاً» لإجراءات «اجتثاث البعث». والملفت للنظر، كما يُقدر مراقبون في بغداد، ان تعيينات واسعة اقترحتها القوات الأميركية او امرت بها وشملت ضباطاً سابقين في الجيش والشرطة أيضاً في حين لا يتجاوز مجموع الخريجين الجدد للمعاهد العسكرية الاف الضباط الصغار في مقابل 75 الف ضابط كبير، من رتبة رائد وما فوق، كانوا خدموا في جيش صدام حسين بينما تتألف وحدات الاستخبارات من نسبة 99 في المئة كانوا مسؤولين في استخبارات صدام. وتبدو تلك النسب من حجم القوة العسكرية الكبير «مخيفة» وتغذي باستمرار التحذيرات من انقلابات عسكرية قادمة الى العراق. وما يزيد تعقيد الموقف صعوبة تحديد الولاءات بين الضباط الجدد والسابقين. ويقول ضباط جدد في الشرطة ان الضباط السابقين، الذين يُتهمون اليوم بالعلاقة مع البعث وانهم السبب المباشر في التفجيرات الأخيرة، كانوا بالغوا في الولاء للأحزاب الإسلامية التي عينتهم ظناً منهم ان ذلك الولاء يمكن ان يحميهم من الاجتثاث، لكنهم يعانون اليوم الإحباط نتيجة حجم الاتهامات التي تطاولهم. يُشار الى ان العراق شهد «اتجاهات انقلابية» بين الضباط منذ العام 1941. وعلى رغم وجود نص دستوزري يمنع ترشيح الضباط في الانتخابات العامة الا ان غالبية الاحزاب والقوائم تضم اسماء ضباط معروفين خصوصاً في اللائحة التي تضم وزير الدفاع عبد القادر العبيدي، وفي اللائحة التي يتزعمها وزير الداخلية جواد البولاني. وبصرف النظر عن قانونية هذا الترشيح فإن خريطة توزيع الضباط المرشحين الى الانتخابات تشير الى تركزهم في مجموعة قوائم انتخابية طرحت نفسها خارج المنظومة المذهبية في العراق مثل تيارات المالكي وعلاوي والبولاني مع وجود نسب اخرى اصغر من الضباط ضمن القوائم التي تتبنى التمثيل الشيعي والكردي والسني. ويُقال في بغداد انه برزت رؤية سياسية جديدة تذهب الى ان الولاياتالمتحدة لن تُقدم ضمانات للوسط السياسي الحالي بعدم حدوث انقلاب عسكري في مقابل ضمانات تحاول طهران تقديمها. وفي الجانب السياسي يعقد قادة تحالف «الحركة الوطنية العراقية»، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، اجتماعاً اليوم للبحث في تداعيات قرارات هيئة «المساءلة والعدالة» بحظر عدد من أعضاء القائمة واتخاذ موقف نهائي في شأنها في وقت رجحت مصادر تهديد التحالف بمقاطعة الانتخابات في حال بقاء مرشحيه، خصوصاً صالح المطلق (زعيم جبهة الحوار) خارج العملية الانتخابية. وأكد المتحدث الرسمي باسم «جبهة الحوار» محمد تميم ل «الحياة» ان «الاجتماع سيُخصص لمناقشة الخيارات المطروحة امام التحالف اذا استمرات سياسة الإقصاء والاستهداف التي يتعرض لها مرشحوه» مشيراً الى ان «خيار مقاطعة الانتخابات يعد أبرز تلك الخيارات».