دعا خبراء إقليميون وعالميون الحكومات العربية الى التركيز على قطاع الاتصالات، الذي أثبت قدرته على حفز الاقتصاد وأظهر مرونة في الأزمات. وأشار تقرير لمؤسسة «بوز آند كومباني» العالمية، أن انعدام الاستقرار في الأسواق الدولية، «دفع بالحكومات في العالم إلى البحث عن وسائل لتحقيق التعافي الاقتصادي. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُرجح أن تتمكّن الحكومات من الاتكال على قطاع الاتصالات لحفز اقتصاداتها وإخراجها من دوامة الأزمة العالمية». واعتبر خبير الاتصالات كريم صباغ، أن دول المنطقة «تملك الآن فرصة فريدة لتحويل اقتصادها إلى اقتصاد قائم على المعلومات، يتمحور حول الاتصالات في شكل أساس». وطالب صناع السياسات والهيئات الناظمة لقطاع الاتصالات في المنطقة ب «تعزيز القطاع من خلال تعديل استراتيجياتهم». ولاحظ أن قطاع الاتصالات «شكل محوراً من محاور المرونة المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يمكن أن يسمح لها بتمهيد الطريق أمام التعافي الاقتصادي». وأكد المدير الأول في «بوز أند كومباني» بهجت الدرويش، أن الأفراد والشركات «يعولون على الاتصالات في العمليات اليومية، لذا يتمتع المشغّلون بفرصة لتوسيع آفاق نشاطاتهم، على رغم تداعيات أزمة المال العالمية التي أرخت ظلالها على المنطقة في الشهور الماضية». لكن، يواجه مشغلو الاتصالات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات جديدة، منها التعامل مع نضج السوق وحاجات الزبائن وخياراتهم المتغيّرة والتحوّل المستمرّ في التكنولوجيا والأعمال والنماذج التشغيلية. ورأى الدرويش أن الحكومات العربية «تحتاج في هذه المرحلة إلى قلب الأنماط السابقة، ودرس احتمال التدخل مجدداً في المجالات التي امتنعت عن الخوض فيها في السابق، إضافة الى التعاون بين الجهات المعنية في قطاع الاتصالات، ما يفرض على الهيئات الناظمة وصنّاع السياسات، التطرّق إلى مجالات الضعف في قطاع الحوكمة والأنظمة، وتنفيذ عناصر توجد قيمة مستدامة للقطاع». ولمواجهة تحديات المرحلة، نصح التقرير حكومات المنطقة ب «مراجعة جداول تخصيص القطاع وتحريره، وتخفيف الموجبات المالية المباشرة المفروضة على المشغّلين، والاستثمار في البنية التحتية لشبكة وطنية واسعة، وتعزيز إلمام المستخدمين وقوى العمل بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلاً عن الإسراع في تعزيز الحوكمة والإصلاحات التنظيمية للقطاع». وافترض التقرير «ألا تنطبق جداول تخصيص القطاع وتحريره الموضوعة قبل الأزمة الاقتصادية على الوضع الحالي»، على اعتبار أن المرحلة الحالية تتطلب أن «يحتل الحفاظ على مرونة اللاعبين الحاليين الأولوية المطلقة». كما يمكن أن يكون ضرورياً «توخّي الحذر في استقطاب الاستثمارات القوية والطويلة الأمد وتحديد مواعيد التخصيص أو إصدار التراخيص الجديدة». واستبعد أن يحقق بيع الأصول الوطنية في قطاع الاتصالات «أفضل العائدات»، كما سيترك الترخيص لمشغّلي شبكات جدد قائمين «أثراً سلبياً في حوافز الاستثمار التي يتمتع بها اللاعبون الحاليون». وفي هذا الإطار، أرجأت الحكومة العُمانية بيع 25 في المئة من حصة الدولة في الشركة العُمانية للاتصالات (عُمانتل)، نظراً إلى التدهور الاقتصادي العالمي وتراجع أسواق الأسهم. وطالب التقرير صناع السياسات والهيئات الناظمة في المنطقة، بدرس توقيت إصدار التراخيص الجديدة لمشغّلي الشبكات، وإبقاء موضوع تحرير القطاع وارداً على جدول الأعمال عندما تكون البيئة الاقتصادية ملائمة. ونصح صباغ هؤلاء ب «التخفيف من الضغوط المالية التي يرزح تحتها مشغّلو الاتصالات، من خلال خفض رسوم الترخيص ورسوم الطيف الترددي والإتاوات على التراخيص، إضافة إلى إمكان أن تساهم الأرباح المرتفعة من المشغّلين المملوكين للحكومة، في ضمان استمرار المنافسة والاستثمار والتوظيف في القطاع، وزيادة عائدات الحكومة على المدى الطويل». ففي الأزمات السابقة، اعتمدت هيئات ناظمة نهجاً داعماً تجاه بعض حاملي التراخيص، فخففت الموجبات المالية وسمحت لهم بمواجهة هذه الظروف الصعبة بسهولة. لذا أكد التقرير ضرورة أن «يتمتع مشغّلو الاتصالات بموجبات مالية قوية لدرجة تسمح لهم بتمويل نشاطات صانعي سياسات، وهيئات ناظمة للقطاع، فضلاً عن برامج البحوث وصناديق تمويل الخدمة الشاملة. كما ينبغي أن تكون الموجبات المالية محدودة ليستقطب القطاع استثمارات مضاعفة». واتجهت دول المنطقة نحو تخصيص مشغّلي الاتصالات والسماح للقطاع الخاص بالسيطرة على إطار الاستثمارات في البنية التحتية للاتصالات. وعلى رغم ذلك، يواجه المشغّلون الفرديون مشاكل في ضمان الاستثمارات في البنية التحتية لشبكة وطنية عريضة النطاق مثل الشبكات السريعة. وفي ضوء محدودية السيولة في السوق، نصح التقرير دول المنطقة بأن «تحفّز المشغلين على المساهمة في تطوير البنية التحتية للاتصالات، لتسهيل إدارة الموارد المالية المُتاحة لهم، من دون التخلّي عن ميزتهم التنافسية».