أعلن ملك المغرب محمد السادس عن إطلاق خطة استثمارية اجتماعية جديدة بأكثر من 50 بليون درهم (نحو 6 بلايين دولار)، لتمويل نحو 21 ألف مشروع جديد في مجالات البنى التحتية والصحة والتعليم والسكن والعمل والخدمات الأساس، لتحسين مستوى معيشة 12 مليون شخص من سكان المناطق النائية والفقيرة والأحياء الهامشية. واعتبر في خطاب وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 16 لعيد العرش في المغرب، أن النمو الاقتصادي والمنجزات المختلفة التي حققها المغرب على مدى السنوات الأخيرة، لم تشمل سكان المملكة كافة وقال «على رغم التطور الذي حققته بلادنا، فإن ما يحز في نفسي تلك الأوضاع الصعبة التي يعيشها بعض المواطنين في المناطق البعيدة والمعزولة، بخاصة على قمم جبال الأطلس والريف والمناطق الصحراوية والجافة وبعض القرى في السهول والسواحل. إننا ندرك حجم (النقص) المتراكم منذ عقود بهذه المناطق على رغم كل المبادرات والجهود». وكشف عن خلاصة دراسة ميدانية قامت بها وزارة الداخلية (بأمر منه) رصدت 29 ألف دوار (تجمع سكاني) في نحو 1272 قرية تعاني نقصاً في التجهيزات والمرافق والخدمات الاجتماعية الأساس في مجالات التعليم والصحة ومياه الشفة والطرق القروية وغيرها. وقال: «لقد تم درس 20800 مشروع يستهدف 12 مليون مواطن يقطنون في أكثر من 24 ألف دوار وبموازنة إجمالية تبلغ نحو 50 بليون درهم (...) لقد جعلنا من كرامة المواطن الهدف من كل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمبادرات التنموية، لأن النمو الاقتصادي لن يكون له أي معنى إذا لم يؤثر في تحسين ظروف عيش المواطنين». وتعتبر الخطة الاستثمارية الجديدة تكملة لبرامج «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» التي كان أطلقها الملك عام 2005 في إطار «أهداف تحدي الألفية» لمحاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي، استفاد منها أكثر من 9 ملايين شخص بكلفة قدرت ب30 بليون درهم. ويقدر الفقر المطلق في المغرب بنحو 6 في المئة، وكان معدل الهشاشة الاجتماعية بلغ 13.3 في المئة عام 2011 وفقاً لإحصاءات «المندوبية السامية في التخطيط» التي أشارت إلى أن معدل تعليم الأطفال انتقل من 60 في المئة عام 1994 إلى 96 في المئة عام 2012. واعتبر الملك أن إصلاح التعليم يعد عماد تحقيق التنمية ومفتاح الانفتاح والارتقاء الاجتماعي، وضماناً لتحصين الفرد والمجتمع ضد آفة الجهل والفقر والتطرف والانغلاق. ودعا الملك الحكومة إلى إنجاح المبادرة الاجتماعية عبر بلورة خطة عمل مندمجة تقوم على الشراكة بين مختلف الوزارات والمؤسسات المعنية لتوفير وسائل تمويل المشاريع ومدة إنجازها، والاستفادة من الوضع الجديد لنظام الجهوية (المحافظات) بالبحث عن الحلول الصالحة لكل منطقة وفق خصوصياتها ومواردها وصعوباتها التنموية، وجعل الجهة (المحافظة) قطباً للتنمية المندمجة في إطار من التوازن والتكامل بين مناطقها ومدنها، بما يساهم في تقليص الهوة بين المناطق الغنية وتلك الفقيرة، والحد من الهجرة إلى المدن. وسيعمل المغرب بنظام «الجهوية الموسعة» مباشرة بعد الانتخابات الجماعية في أيلول (سبتمبر) المقبل، باعتماد 12 جهة عوضاً عن 16 سابقاً تتوزع على مساحة 710 آلاف كيلومتر مربع. ويمنح القانون الجديد للمحافظات صلاحيات واسعة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والعمرانية، والسياحية والتعليمية والصحية، إضافة إلى مجالات العمل وأنظمة الإنتاج والبيئة والمراقبة وتحصيل الجبايات والضرائب المحلية. وأظهرت دارسة ل «المندوبية السامية في التخطيط»، وجود تباين كبير في توزيع الثروات والدخل الفردي وحجم الاستفادة من ثمرات النمو الاقتصادي المغربي الذي ظل يحقق أكثر من 4 في المئة من الناتج الإجمالي طيلة السنوات ال16 الأخيرة، حيث يقترب الدخل الفردي من 50 ألف درهم في الدار البيضاء، ونحو 20 ألفاً في المناطق الجبلية وذات التضاريس الصعبة والنائية، ما يدفع شباب تلك المناطق إلى الهجرة نحو المدن الكبرى بحثاً عن عمل أو تعليم أفضل. ولفتت الدراسة إلى أن 6 محافظات تستحوذ على 61 في المئة من إجمالي الاستثمارات العمومية، وتسجل نمواً اقتصادياً سنوياً أعلى من المتوسط الوطني. ونتيجة لذلك، اتجهت الهجرة من الأرياف نحو المدن مع ما يترتب عنها من مظاهر الأحياء العشوائية والعجز الاجتماعي وسلوك الانحراف، كما أدى ذلك إلى سوء توزيع مجالي وسكاني، حيث أصبح عدد سكان المدن أكثر من سكان الأرياف (20 مليوناً في مقابل 14)، وأصبح بعض المدن يضم كثافة سكانية وتضخماً صناعياً وعمرانياً يضغط على موارد المدن ومرافقها، مثل محافظة الدار البيضاء وضواحيها التي يسكنها 6.8 مليون شخص، والرباط - سلا - القنيطرة التي يسكنها 4.5 مليون وكذلك تقريباً في وسط البلاد في محافظة فاس - مكناس.