يتجه المغرب نحو إقرار جهوية (مركزية متطوّرة) موسعة للحكم المحلي، الأولى من نوعها منذ استقلال البلاد، وتهدف إلى تسريع وتيرة التنمية المستدامة وتطوير الحكامة المحلية وتعزيز الديموقراطية وإشاعة قيم التضامن بين المناطق في إطار وحدة وطنية وترابية. وعيّن الملك محمد السادس لجنة استشارية للجهوية تضم 22 عضواً من بينهم محافظ المصرف المركزي ورجال أعمال وخبراء ومسؤولون وولاة، لإعداد مشروع تصور نظام الجهوية المغربية مطلع الصيف المقبل، تكون الأقاليم الجنوبية المعنية الأولى به. وقال الملك في خطاب موجّه إلى الأمة الأحد الماضي: «ليست الجهوية الموسعة المنشودة إجراءً تقنياً أو إدارياً، بل توجه حاسم لتطوير هياكل الدولة وتحديثها والنهوض بالتنمية المندمجة». وأضاف: «نتوخى من هذه الورش الكبيرة إيجاد جهات قابلة للاستمرار. ويظل طموحنا الارتقاء من جهوية ناشئة إلى جهوية متقدمة ذات جوهر ديموقراطي وتنموي، وجعلها عماد الصرح المؤسسي للدولة المغربية التي نحرص على ترسيخها كدولة عصرية للقانون والمؤسسات والحكامة الجيدة». وفي رأي مراقبين سيكون المغرب أول دولة عربية، جنوب البحر الأبيض المتوسط، تطبق نظام الجهوية عوض المركزية، وهو نظام لتدبير الشأن المحلي للسكان، يُقرب الرباط من أنماط التسيير المحلي في دول أوربية بخاصة إسبانيا الجارة الشمالية. وكان المغرب حصل على الوضع المتقدم داخل الاتحاد الأوروبي الذي يقل عن العضوية الكاملة ويزيد عن الشراكة، ويكون على الرباط العمل على تقريب التشريعات وأنظمة الحوكمة والشفافية والمشاركة السكانية، للاستفادة من منافع الوضع المميز، وتقريب الهوة بين ضفتي البحر المتوسط، والسماح للجهات بتوقيع اتفاقات اقتصادية وثقافية مع مثيلتها الأجنبية. جهات المغرب ويضم المغرب حالياً 16 جهة اقتصادية تعتمد اللاتمركز الإداري وتمتد على مساحة 710 آلاف كيلومتر مربع، لكنها تخضع لسلطة العاصمة والإدارات المركزية، وتتميز بفوارق طبيعية وسكانية. وسيكون من اختصاص اللجنة الاستشارية للجهوية، تقليص عدد الجهات الاقتصادية وتكامل مجالاتها ومواردها الطبيعية (الماء، الزراعة، المعادن) والمالية (الجبايات) والبنية التحتية. وبحسب تقرير «مغرب الجهات» الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط، تضم الجهات 31 مليون نسمة، وهي أنتجت عام 2007 أكثر من 253 بليون درهم (32 بليون دولار) من خلال نشاط 7812 وحدة صناعية جعلت معدل البطالة نحو 9,8 في المئة. وتمثل جهة الدارالبيضاء اكبر مجمع صناعي ومالي في المغرب، تضم 2600 مصنع أنتجت 49 في المئة من الإنتاج الصناعي المغربي، بخاصة في قطاع البتروكيماويات فحقق إيرادات زادت على 60 بليون درهم. وتمتد الدارالبيضاء مسافة 98 كيلومتراً من السواحل تسمح بتصدير ما قيمته 442 بليون درهم من الأسماك، وتشمل 77 فندقاً مصنفاً و859 مصرفاً ومؤسسة مالية، وتنتج 62 في المئة من الطاقة الكهربائية، لكنها تتميز بفوارق اجتماعية وكثافة سكانية، ما يجعل معدل البطالة يصل إلى 14 في المئة بزيادة خمس نقاط عن المتوسط الوطني. وتملك جهة سوس ماسة، عاصمتها أغادير جنوب المحيط الأطلسي، موارد طبيعية وزراعية وصناعية وصيداً بحرياً ومؤسسات سياحية راقية وسواحل، تؤهلها لتكون من أغنى الجهات المغربية، حيث معدل البطالة يبلغ 7 في المئة وهو الأدنى في المملكة، وهي أول مُصدّر للفاكهة والثمار وثاني وجهة سياحية وثالث وجهة صناعية والأولى في الصناعات الزراعية. وتمتاز بدخل فردي مرتفع مقارنةً مع جهات فقيرة في جبال الأطلس أو الشرق الصحراوي. وفي شمال المغرب المطل على جبل طارق وأوروبا تعتبر جهة طنجة - تطوان ثاني منطقة صناعية تساهم ب 17 في المئة من الإنتاج الصناعي، تصدر 16 في المئة من إجمالي الصادرات وتساهم الزراعة الصناعية بنحو 900 مليون دولار تتبعها الصناعات الالكترونية. وتقع على ميناء طنجة المتوسطي الأكبر في المنطقة المغاربية، ولها حضور سياحي عالمي وبوابة المغرب نحو أوروبا، يعبرها سنوياً 5 ملايين شخص، ما جعل معدل البطالة فيها 8,6 في المئة. وتعتبر الرباط من اصغر الجهات مساحة، لكنها في مستوى متقدم من الرفاه كونها مركزاً للإدارات الحكومية والسفارات والأنشطة السياحية والصناعية والزراعية والثقافية والإعلامية، وفيها اكبر شبكة للمواصلات العصرية السريعة. وحازت الرباط في السنوات الأخيرة اكبر نسبة من الاستثمارات العربية بخاصة من الإمارات العربية المتحدة. ويعيش في جهة العاصمة 2,5 مليون نسمة لكنها تشهد حركة هجرة، ما يرفع معدل البطالة إلى 13 في المئة، وتساهم الصناعة ب 12 بليون درهم وإنتاج الأدوية 4 بلايين. وتحيط بها غابات وأودية تجعلها من أجمل جهات المغرب في المناظر الطبيعية والأغنى في العقارات الراقية. وفي أقصى جنوب المغرب حققت جهة وادي الذهب – الكويرة تقدماً كبيراً حيث باتت الأفضل معيشياً بعد الرباطوالدارالبيضاء وارتفع معدل الحياة إلى 75 سنة وتراجع معدل الفقر من 30 إلى 9 في المئة عام 2004، وظل مستوى المعيشة ينمو 3,3 في المئة سنوياً في مقابل 1,7 في المئة على المستوى الوطني. وتتميز الجهة بمواردها الطبيعية وسواحلها الممتدة عشرات الكيلومترات وكثافة سكانية منخفضة جداً تسمح بمستوى متقدم من التملك والاستثمار الفردي. وتدفع الحكومة في الرباط أجوراً تفوق 1,1 بليون دولار لسكان جهات الصحراء، وتزيد أجور العاملين في المناطق النائية لتشجيعهم على العيش فيها. وتعتبر مراكش وهي عاصمة جهة الحوز الأوسط، الأشهر سياحياً وعقارياً وزراعياً، لأنها تقع بين المحيط الأطلسي وجبال أطلس بمساحة 32 ألف كيلومتر مربع، وتجذب نصف السياحة الدولية نحو المغرب، وفيها 475 وحدة صناعية و40 ألف هكتار من الغابات وتنتج 66 ألف طن من الفاكهة و75 مليوناً من الأسماك عبر ميناء الصويرة الذي كان أول ميناء بناه المغرب على المحيط الأطلسي في القرن الثامن عشر، ومنه دخلت أول السلع الأميركية إلى المنطقة المغاربية. الجهات الفقيرة وفي المغرب جهات أخرى تعيش أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة لبعدها عن محور القنيطرة – الجديدة، وبعضها يعتمد على الزراعة أو أنشطة محدودة لا تؤمن لسكانها موارد كافية لعيش مستقر، ما يدفع شبابها إلى الهجرة. وكان البنك الدولي أنجز خريطة للجهات الفقيرة في المغرب أظهرت فوارق بينها وبين الجهات الغنية، ما يطرح ضرورة للتضامن بين الجهات والمناطق في أي مشروع مستقبلي. وسيكون على اللجنة الاستشارية، البحث في تكامل الجهات وتضامنها اقتصادياً وطبيعياً بخاصة في مجال الموارد المائية الوافرة في الشمال الغربي، والتي تتقلص وتتراجع في اتجاه الجنوب. ويعتمد الاقتصاد المغربي بنسبة 20 في المئة على الماء الذي يؤمن 17 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتدرس وزارة المال صيغاً ضريبية لتشجيع الاستثمار في المناطق النائية والمعزولة.