أظهرت إحصاءات رسمية مغربية أن خمس محافظات من أصل 16 ساهمت في نحو 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي والثروات الوطنية المقدرة ب850 بليون درهم (100 بليون دولار) عام 2011. ووفرت الدار البيضاء الكبرى نحو 20 في المئة من الثروة، تليها الرباط ب 12 في المئة، ثم الشاوية - ورديغة بتسعة في المئة، فمراكش - الحوز ب 8،3 في المئة، ثم طنجة - تطوان بنحو ثمانية في المئة، وهي ثاني مدينة صناعية في المغرب وتوجد فيها مصانع «رينو- نيسان» و»الميناء التجاري الدولي». وأشارت دراسة أعدّتها «المندوبية السامية في التخطيط» أن سكان تلك المحافظات يتمتعون بدخل فردي أعلى من المتوسط الوطني ويتجاوز 40 ألف درهم في الدار البيضاء، و37 ألفاً في الرباط، ويتقلص الدخل إلى 16 ألف درهم في منطقة الريف المتوسطي والقرى المنتشرة في محافظة ازيلال الجبلية. ويتمركز سكان المغرب، المقدرون بنحو 33 مليوناً، على طول ساحل المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وتنخفض الكثافة السكانية في مناطق الوسط الزراعي، وفوق سفوح جبال أطلس، وتقل كثيراً في الصحارى والأودية والمناطق النائية. ويقطن نحو 10 ملايين شخص في الشريط الساحلي الممتد بين جنوبالدار البيضاء وشمال القنيطرة على مسافة 140 كيلومتراً، ويضم أكبر تجمع سكاني وعمراني وصناعي وتجاري. وتعتبر هذه المحافظات الأكثر استقبالاً للمهاجرين الأفارقة، والنازحين من البوادي والأرياف من كل مناطق المغرب. وأكدت الدراسة أن المحافظات الخمس تستهلك 67 في المئة من إجمالي نفقات العائلات، وعلى رأسها الدار البيضاء الكبرى بنحو 15 في المئة، ثم طنجة - تطوان ب 11،8 في المئة، فالرباط - سلا ب11،1 في المئة، تليها مراكش ب10،3 في المئة، وأخيراً سوس- أغادير ب 8،6 في المئة، في حين تقدر النسبة بنحو 3،5 في المئة في محافظات الجبال والوسط والجنوب الشرقي. وأظهرت أن الفارق بين نفقات الأسر الغنية والفقيرة يقدر بنحو 15 بليون درهم في المتوسط، وهو في تزايد منذ سنوات إذ تبدو فرص الإثراء في المناطق ذات التمركز الصناعي والاقتصادي والإداري والسياحي والجامعي، أقوى من المناطق التي تعتمد على الزراعة وتربية الماشية والأعمال اليدوية ذات فائض القيمة المنخفض. وقد يكون ذلك من الأسباب المباشرة للطلب على العمل والدرس والسكن في المحافظات الغنية حيث توجد كثافة سكانية وأنشطة اقتصادية عدة. وتختلف أسعار العقار والخدمات وكلفة المعيشة بين جهات التمركز الاقتصادي وتلك التي يقل فيها الدخل والكثافة السكانية. وسعر المتر المربع في الدار البيضاء أكثر ب 10 مرات مقارنة بمدن الجنوب والشرق، إذ يصل سعر فيلا في الرباط إلى نحو مليون دولار، ما قد يبدو مبلغاً خيالياً لسكان القرى النائية وجبال أطلس حيث فرص العمل ضعيفة والدخل يكاد لا يتجاوز نصف المتوسط الوطني. ولمساعدة السكان المحليين على التمسك بمناطقهم، تعمل «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» على دعم سكان الأرياف والمناطق النائية وتمويل مشاريعهم الاقتصادية عبر تعاونيات محلية للأنشطة المدرة للدخل، وتجهيز تلك القرى بالخدمات الأساس، ومنها التعليم والمستشفيات والطرقات. ويتولى الملك المغربي محمد السادس شخصياً الإشراف على برامج المبادرة والتنقل إلى المناطق النائية والجبلية والصحراوية لمواكبة تحسن معيشة السكان البعيدين من المركز. وساعدت هذه البرامج، التي أطلقها الملك عام 2005، في الارتقاء الاجتماعي لنحو ستة ملايين نسمة، وتمكين آلاف البنات القرويات من إكمال دراستهن الثانوية. نظام المحافظات ويستعد المغرب للانتقال إلى تجربة المحافظات، وهي نوع من الحكم المحلي يسمح للسكان المحليين بتسيير شؤونهم المحلية عبر مؤسسات منتخبة ديموقراطياً، تتولى التسيير المالي والاستثماري والإداري في إطار الحوكمة والرقابة من المركز، أي الرباط، الذي يقدم الدعم المالي والتقني والبشري والقانوني. ويحتاج المشروع إلى مصادقة البرلمان بعد إنجازه، وسيشكل التجربة الأولى من نوعها في جنوب البحر الأبيض المتوسط وشرقه. وسيتيح المشروع لكل جهة حرية أكبر في ابتكار حلول التنمية المحلية، وجلب الاستثمارات، والتعريف بالمؤهلات الطبيعية والثقافية والاقتصادية المتوافرة في الإقليم، وستحافظ العاصمة على الخارجية والأمن والقضاء وإعداد البرامج وتأمين التضامن بين الجهات الغنية والفقيرة، وتوفير الضمان للاتفاقات مع محافظات أو أقاليم مشابهة في دول أخرى. ويهدف المشروع أيضاً إلى تقليص الفوارق بين فئات الشعب وتسريع التنمية والاقتراب من التجارب الديموقراطية الأوروبية، خصوصاً الإسبانية.