بعيداً من الحملة الإعلامية التي أطلقها النائب اللبناني وليد جنبلاط «المحبط» لتبرير ما قاله في حق «حلفائه» في مجلس خاص وصوّر بخليوي وبثته محطة لبنانية، وبعيداً من تأثير مضمون هذا الكلام على صورة الزعيم في طائفته وجماعته واهتزاز هذه الصورة التي طالما عرفها اللبنانيون متقلبة ومتنقلة وفقاً لقراءاته في الإعلام العالمي، فإنه هذه المرة «مغبون». والغبن مصدره قرار إدارة تحرير الأخبار في «نيو تي في» بث التسجيل الذي سجّل في مجلس خاص، خارقاً، ليس حرمته فحسب، بل اخلاقيات مهنة الصحافة عن بكرة أبيها، علماً أن الحال الإعلامية في لبنان لا ينطبق عليها إلا المثل القائل: «فلت الملق». ففي الحد الأدنى الذي يتلقاه طلاب الإعلام في مقاعد جامعاتهم، والحد الأدنى الذي يكتسبه الإعلاميون في ممارستهم المهنة، يقضي بعدد من الأمور الأخلاقية تبدأ بعدم الإساءة إلى الناس ولا تنتهي عند عدم حق الإعلام بأن يجتزىء موقفاً ليبدّل معناه، ناهيك بعدم السماح له بتسجيل حوار مع ضيف إلا بعد أخذ موافقته على ذلك... هذه الأمور من بديهيات ممارسة المهنة وأبسط أخلاقياتها التي لا يشكل التزام الصحافي والإعلامي بها أي نوع من أنواع كبت الحرية أو الخطوط الحمر. فهدف الصحافي يجب أن يكون منصباً على دفع هذه الخطوط الحمر إلى أقصى حدودها، وأن يظل يحاول في شكل أو آخر أن يطرق أبواب كل المواضيع بهدف اعلام المواطن، مشاهداً أو مستمعاً أو قارئاً، بأمور تعنيه وتهمه انطلاقاً من «حق المعرفة». ويكاد لا يوجد صحافي إلا صادفه أثناء ممارسة مهنته أن طلب منه شخص حاوره عدم ذكر أمور أعلمه بها أو ذكرها له عفواً أو قصداً، وأحياناً كثيرة يطلب منه وقف آلة التسجيل قبل ذكرها أو يقول له هذه «OUT OF RECORD» أي خارج التسجيل، وغالباً ما يلتزم الصحافي ذلك ليس ضعفاً ولا اخفاء للحقيقة انما انطلاقاً من مسؤوليته الأخلاقية والوطنية، لئلا تكون لإذاعة المعلومة آثار سلبية في المجتمع. والصحافي الذكي عادة يحفظ تلك المعلومة ويسعى إلى التأكد منها من غير مصدر ويحاول «تطريزها» ونشرها من دون أن يتسبب في إساءة أو ارباك لأي كان. أما أن توجد الصدفة شخصاً ما في مكان ما مع زعيم ما يزور زعيماً ما ويسجل حديثهما الخاص «خلسة» ثم يوصل التسجيل إلى محطة تلفزيونية، ثم ترتكب المحطة خطيئة ثانية ببثه وإذاعته فهذا في حد ذاته ليس «سبقاً صحافياً» كما وصفه جنبلاط، بل أكثر من اعتداء يقترب من إثارة للفتنة.