«يختبىء أحد الجنود المقاتلين ضمن مليشيا مسلحة في مدينة لحج اليمنية، خلف زاوية بيت مهجور خوفاً من أن يعثر عليه من جاء لقتالهم. يثير مشهد الجندي الذي لا يزيد عمره على 15 عاماً، فضول أطفال آخرين، فيذهبون للعب على مقربة منه، ويروح يراقبهم بحماسة كأنما نسي أنه معرض للخطر في كل لحظة»، بهذه الكلمات يختصر شادي علوان واقع أطفال كثر تحولوا بين ليلة وضحاها إلى جنود ومقاتلين، ويقول: «أشفقت عليه لصغر سنه، ورأيت في عينيه رغبة باللعب مع أبناء جيله». سعد النمري (16 عاماً) مقاتل من بلدة الحيمة- محافظة صنعاء، يقول إن الفقر هو السبب وراء حمله السلاح وذهابه إلى الحرب. ويروي ل«مدرسة الحياة» الطريقة التي تم بها تجنيده في إحدى المليشيات: «جاء أحد شيوخ القبائل إلى قريتنا ووعد أهالينا بأنه سيُعطينا راتباً شهرياً قدره 20 ألف ريال (حوالي 100 دولار)، إذا ذهبنا معه إلى واحدة من جبهات القتال المشتعلة، ووعدنا أيضاً بأنه سيتم توظيفنا رسمياً في الجيش بعد انتهاء هذه الحرب». ويؤكد سعد أنه كان يتمنى إكمال دراسته، ويقول: «كان حلمي أن أصير مهندساً، لكن الآن لا أعرف ما إذا كنت سأعيش أصلاً حتى أحقّق حلمي». وإلى جانب الحاجة المادية، تستغل الميليشيات المسلحة الجانب الديني- العقائدي لإقناع الأهالي بالموافقة على تجنيد أبنائهم، بحجة أن ما يقومون به يندرج تحت خانة الجهاد والواجب الشرعي. ويؤكد والد أحمد مساعد (14 عاماً) الذي يقاتل في محافظة الضالع أن ابنه «يجاهد ليحمي الدين ويدحر التكفيريين، ولن أحزن عليه لو قُتل لأنه سيكون شهيداً في الجنة». ولا توجد إحصائيات حدثية ودقيقة لعدد الأطفال المقاتلين في اليمن، لكن المُلفت للنظر هي إحصائية نشرها أخيراً مكتب منظمة «يونيسف» رصد فيها ما لا يقل عن 159 طفلاً تم تجنيدهم واستخدامهم في القتال الدائره في شتى أنحاء البلاد منذ 26 آذار (مارس) الماضي (في أقل من 3 أشهر)، وهو ما يؤكد انتشار ظاهرة الأطفال المقاتلين في شكل كبير. ويشير رئيس منظمة «سياج» لحماية الطفولة أحمد القرشي في حديث مع «مدرسة الحياة» إلى أن مشكلة تجنيد واشراك الأطفال اليمنيين في الحروب من قبل الجماعات المسلحة ازدادت منذ منتصف العام 2014 بنسبة قد تنجاوز 400 في المئة مقارنة بالسنوات السابقة، معتبراً أن ذلك سببه انهيار الدولة واتساع رقعة مناطق الصراع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وتغلّب ثقافة العنف والموت، وانهيار المنظومة السلمية والمدنية الضعيفة أصلاً، كالأحزاب والمنظمات والإعلام. ولم تكشف الجهات المسؤولة عن أعداد القتلى والجرحى في صفوف الأطفال المقاتلين، ويؤكد القرشي بدوره، أن لا إحصاءات دقيقة لعدد القتلى والجرحى من الأطفال الجنود، حيث يتم التعامل مع هذه المعلومات كأسرار عسكرية وتحاط بتكتم وسرية، لكنه يقول إن «مئات الأطفال الجنود تعرضوا للقتل والإصابة الجسدية والنفسية والاعتقال أثناء مشاركتهم في القتال خلال العام 2015». وفي حين لا يزال سعد وأحمد وغيرهما الكثير من الأطفال منخرطين في الحرب، ويسقط منهم العشرات يومياً بين قتيل وجريح، أعلنت لجان المقاومة الشعبية في عدن أنها ألقت القبض على عدد كبير من الأطفال لم تتجاوز أعمارهم ال13 عاماً، كان تم تجنيدهم من قبل «مليشيا الحوثي» للقتال. وأكدت أن حالتهم تبعث على الأسى، وأنها تتواصل مع منظمة «الصليب الأحمر» الدولية لتسليمها الأطفال لتقوم بدورها بإعادتهم إلى أهاليهم. وكانت منظمات معنية بالطفولة في اليمن ناشدت الأطراف المتصارعين تحييد الأطفال عن حروبهم، سواء كان ذلك بالتجنيد أو بالإستهداف.