لم يعد المطر نكهة مفضّلة لسكان المناطق الجبلية والأودية في جنوب السعودية، إذ غدت مائدة السماء المائية مثيرة لهاجس الكارثة، وموحية بالغرق وتلف الممتلكات، خصوصاً أن العديد من قرى منطقة الباحة تستند إلى ضفاف الأودية وأحضان الجبال، ولعل أبرز ما يرصده العارف بتضاريس الباحة تلاشي ملامح وادي «قوب» التاريخي والمتحرك بالمياه والإخضرار عبر عقود خلت، ما أسهم في إخفاء معالمه، وانتهاك حماه، قبل أن تختنق رئته بالبنايات الخرسانية الجامدة التي طوقته «قسراً». ولم يخف عدد من أهالي منطقة الباحة تخوفهم من تكرار المشاهد المأسوية لكارثة جدة، في وادي «قوب» المنتهك بالمباني واصفين «عبّارات» المياه المخصصة لتصريف الأمطار ب«الضيقة» موازاة بحجم مياه المطر الموسمية، وأرجع المواطن عبدالرحمن الغامدي وجله من المخاطر المتوقعة إلى حالة التضييق التي اعترت الوادي وتعمد البعض رمي المخلفات والشوائب وقطعاً من الأخشاب والأشجار اليابسة في المجرى الرئيس، مؤملاً أن توقف الأمانة تراخيص البناء في بطون الأودية ومتدفق السيول. ويذهب غرم الله الصقاعي إلى أن جهات حكومية عدة تشترك في آلية التعدي على الأودية، مبدياً دهشته من تحصل بعض الأهالي والمسؤولين على حجج استحكام وتملك على محارم الطرق والأودية، باعثاً تساؤلاً عن سر عدم معارضة بعض الجهات، «منها الأوقاف والمالية والزراعة والأمانة والدفاع المدني» لهذه الحجج والممتلكات، علماً بأن لها حق ووجاهة المعارضة صيانة للممتلكات العامة. فيما عبّر سحمي الغامدي ل«الحياة» عن دهشته من تنامي ظاهرة بناء محطات الوقود على ضفاف وادي «قوب»، واصفاًً مواقع المحطات وخزاناتها ب«الخطرة» كونها مدفونة في مجرى السيل. من جانبه، نفى أمين الباحة المهندس محمد مبارك المجلي قيام أي مخططات سكنية أو منشآت في أي من الأودية الخطرة أو مجاري السيول في مدينة الباحة، لافتاً إلى وجود بعض الإشكاليات في عدد من المخططات السكنية في أكثر من محافظة، وأكد ل «الحياة» درسها مع فروع البلديات بالتنسيق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية لمعالجتها. وأضاف أن أمانة الباحة تبنت آلية بناء «عبّارات» عدة في وادي «قوب»، مبدياً حرصه على درس أوضاعها متى دعت الحاجة إلى توسيعها أو إزالة بعضها وفق متطلبات وضرورة الظروف ومراعاة لحالات الطوارئ. ولفت أمين الباحة إلى أن فسح بناء محطات وقود على ضفاف الوادي يحتّم إبقاءهما تحت المراقبة المستمرة، واعداً بالتدخل في حال إثبات تسرب وقود، وتطبيق الأنظمة والتعليمات. وعلى خط مواز، أوضح الناطق الرسمي لإدارة الدفاع المدني في منطقة الباحة الرائد جمعان دايس ل«الحياة» أن دور إدارة الدفاع المدني وقائي وتحذيري يتمثل في الإرشاد والتوعية بالمخاطر ومباشرة الحوادث حين وقوع الكوارث، لافتاً إلى أن «مدني الباحة» تتخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع كل موقف بحسب ما يتطلبه، سواء فيما يتعلق بتدريب الضباط أو الأفراد أو توفير الآليات اللازمة بالتعاون مع الجهات المعنية في أوقات الأزمات. وأكّد دايس تبني إدارة الدفاع المدني في الباحة جولات توعية لتنبيه المواطنين وتحذيرهم من عبور الأودية، والارتحال في مكامن ومجاري السيول المنقولة، محمّلاً أمانة الباحة مسؤولية فسوحات البناء في مجرى وادي «قوب» وبقية الأودية المشتهرة بتدفق مياهها في مواسم الأمطار.