تواصلت الإشارات الإسرائيلية أمس حول إمكان قيام مواجهة بين إسرائيل و «حزب الله» في جنوب لبنان في ظل استمرار المساعي اللبنانية مع المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل وقف تهديداتها. واعتبر الوزير بلا حقيبة في الحكومة الإسرائيلية يوسي بيليد أن حرباً جديدة في لبنان حتمية لأن أداء كل من إسرائيل و «حزب الله» سيؤدي الى حرب بين الجانبين، فيما رأى مسؤول منطقة الجنوب في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق «أن التهديدات الإسرائيلية المتواصلة للبنان تضع كل المنطقة على طريق الخطر والعدوان، وتعكس ارتفاع مستوى الهلع والرعب الذي يجتاح الإسرائيليين مع اقتراب الذكرى السنوية لاستشهاد القائد الحاج عماد مغنية»، مؤكداً «أن العدو يعلم بأن دماء الشهيد مغنية ستبقى تلاحقه حتى هزيمته الكبرى». جاء ذلك فيما أنهى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري زيارته الرسمية لفرنسا، حيث أثار موضوع التهديدات الإسرائيلية للبنان مع كبار المسؤولين الفرنسيين، وحيث تلقى وعداً من الرئيس نيكولا ساركوزي بإجراء اتصالات مع المسؤولين الإسرائيليين للحؤول دون قيامهم بعدوان جديد على لبنان. وإذ عاد الحريري الى بيروت مساء، ثم غادر الى المملكة العربية السعودية في زيارة خاصة، شهد الوضع السياسي الداخلي خلافاً مستجداً على وضع رئيس المجلس النيابي نبيه بري مشروع قانون تعديل الدستور لخفض سن الاقتراع في الانتخابات البلدية المقبلة (وفي الانتخابات النيابية لاحقاً) على جدول أعمال الجلسة النيابية المقررة غداً، تسبب بانقسام في صفوف المعارضة نظراً الى انفجار الخلاف في هذا الشأن بين زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون وبري اللذين تبادلا التصريحات الانتقادية. وانضم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى عون في التحفظ عن إقرار خفض سن الاقتراع من 21 الى 18 سنة، وربط الأمر بإقرار قانون استعادة المغتربين الجنسية لتمكينهم من المشاركة في عمليات الاقتراع، ما يهدد بحصول انقسام طائفي حول عملية خفض سن الاقتراع امتداداً للانقسام الطائفي بين قوى مسيحية وإسلامية حول اقتراح بري تشكيل الهيئة الوطنية للبحث في إلغاء الطائفية السياسية. وهدد الخلاف المستجد بتطيير نصاب الجلسة النيابية غداً، التي يحتاج عقدها لإنجاز التعديل الدستوري الى نصاب ثلثي أعضاء البرلمان (86 نائباً)، فيما اتجهت الأنظار الى موقف كتلة «المستقبل» النيابية التي يتزعمها الحريري من الجلسة وسط تكهنات بأنها ستسعى الى تجنب الانقسام الطائفي على رغم موافقة وزرائها على إحالة مشروع قانون التعديل الدستوري على البرلمان. وعلى ذلك، فإن الجلسة معرضة إما للتأجيل أو لفقدان النصاب، الذي يحتاج الى حضور نواب «المستقبل». وكان عون سأل ليل أول من أمس عن موجبات طرح خفض سن الاقتراع قبل طرح قانون استعادة المغتربين الجنسية، ملمحاً الى أن القانون الأول يغير في الخريطة الانتخابية، فردّ بري ببيان اتهم عون بمحاولة التهرب من الانتخابات البلدية. وأمس انضم جعجع الى ربط عون خفض سن الاقتراع بإقرار تمكين المغتربين من الانتخابات، فيما أيد رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط موقف بري. وردّت الأمانة العامة لمجلس النواب في بيان على التساؤلات في شأن تقديم طرح مشروع خفض سن الاقتراع على قانون استعادة الجنسية وأكدت أن الأخير ما زال قيد الدرس في إحدى اللجان النيابية. وفي انتظار معرفة موقف الحريري من الجلسة النيابية غداً، فإن مصادر نيابية قالت ل «الحياة» إن الخلاف المستجد بين فريقين رئيسيين في المعارضة يضع «حزب الله» في موقف حرج. وذكرت المصادر أن بري اتصل بالحزب لإبلاغه بنيته الرد على عون وأن الأخير لم يتدخل لكن «نواياه طيبة» ولأن بري متفق معه على خفض سن الاقتراع لأنه حزب فتي، وخفض سن الاقتراع يناسبه، وعلى وضع آلية للتعيينات الإدارية التي تتهم أوساط بري عون بمعارضتها. وفيما راجت أنباء عن مداخلات لتهدئة السجال بين عون وبري، قالت المصادر النيابية إن اتصالاً حصل بين المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل وبين أمين سر تكتل عون النيابي إبراهيم كنعان دعا الأخير فيه الى لملمة الخلاف فأبلغه الأول أن الرئيس بري لم يبدأ في السجال بل رد لتوضيح الموقف. وقالت المصادر ذاتها إن بري فوجئ بموقف عون. ورأت المصادر النيابية في هذا الخلاف ملامح تغيير في الخريطة السياسية الداخلية لجهة التقارب الحاصل بين بري وجنبلاط في المواقف، وأن موقف بري هو بمثابة خروج من تحالف 8 آذار مع بقاء تحالفه مع «حزب الله» مقابل خروج جنبلاط من تحالف 14 آذار وإبقائه على تحالف ما مع الحريري و «المستقبل». وبالعودة الى تصريحات الوزير بيليد فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عنه قوله: «إننا نسير في اتجاه مواجهة في الشمال ولا أعرف متى ستندلع مثلما لم نعرف متى (كانت) ستندلع حرب لبنان الثانية (في تموز/ يوليو 2006). أما مسؤول «حزب الله» في الجنوب الشيخ قاووق فقد اعتبر «أن العدو الإسرائيلي يريد أن يزرع الخوف في لبنان وأن يعوض حالة الإحباط ومرارة الهزيمة التي تكبدها في تموز 2006»، وأكد «ان هذه التهديدات لم تخف المقاومة ولم تجعلها تتراجع عن برامجها الجهادية وإنما أدت الى نتائج عكسية وأصبحت تزيد من مستوى الخوف والرعب عند الإسرائيليين». وشدد على «أن الطريق الأقصر والأضمن لإبعاد أي عدوان إسرائيلي محتمل على لبنان هو في تعزيز قدرات المقاومة، وليس في استجداء أمننا من أي أحد في الخارج ولا من شركاء إسرائيل في عدوان تموز 2006 لأن المجتمع الدولي يتبنى الأهداف الإسرائيلية بالكامل ويعمل على تسويقها وتسويق المخاوف الإسرائيلية»، مؤكداً «أن المقاومة واعية تماماً لهذا الأمر وتميز بين الصديق والعدو». واعتبر «أن التقارب العربي – العربي يسهم في تعزيز قوة المقاومة وأن الحوار حول الاستراتيجية التي تحمي لبنان هو لمصلحة المقاومة بالكامل، لأننا على طاولة الحوار لا نناقش السلاح إنما كيف نحمي لبنان». وكان الحريري قال في كلمة أمام الجالية اللبنانية في فرنسا ليل أول من أمس إن فرنسا «لم تتخل عن لبنان في مواجهة تداعيات محنته الداخلية وفي معالجة مخاطر الاعتداءات الإسرائيلية». وزاد أن حكومته تفتح الباب «لمرحلة جديدة تحمي مستقبل لبنان من رياح المتغيرات في منطقتنا».