تواصل صحيفة «الجزيرة» جولاتها على حدود الوطن لأجل الوقوف على مهام حرس الحدود التي يؤدونها يوميا، في صمت وإخلاص، بعيدا عن أعين الناس وعن الأضواء، وعلى خط النار ولكي يعرف القارئ الكريم ما يعانونه من شدة في مواجهات يومية مسلحة مع المهربين والمتسللين، ويحفظون حدود الوطن بكل بسالة وحماس ووفاء دون كلل أو ملل. وكانت «الجزيرة» حطت رحالها هذه المرة في محطتها الثانية بمنطقة جازان التي تعتبر من أكثر المناطق التي تشهد عمليات تسلل وتهريب بشكل يومي تقدر بأكثر من (600) حالة عبر البحر والبر والجبال الشاهقة، وهي مسألة لا يمكن تصورها، ولا يعرف مدى الجهود التي تبذل فيها إلا من يعمل بها أو يقف عليها في أرض الواقع كما فعلت «الجزيرة». وفي يوم السبت 13 أبريل 2013م أقلعت الطائرة التي تحمل وفد صحيفة الجزيرة من مطار الملك خالد الدولي بالرياض، بمعية وفد حرس الحدود الذي يضم الرائد سامي القسومي والرقيب سعد المطيري، كانت الساعة تشير إلى الخامسة فجرا واستغرقت الرحالة قرابة (90) دقيقة، حيث وصلنا مطار الملك عبدالله بمنطقة جازان، تداعبنا نسائم الصباح العليلة، وتنتظرنا مهمة شاقة، لم يخفف منها الا كرم وأريحية وفد حرس الحدود، وكذلك شجاعة ووفاء حراس الوطن بمواقفهم الباسلة. لدى وصولنا لمديرية حرس الحدود بجازان، وجدنا الوضع مهيأ، وقد تم تحديد موقع السكن بنادي ضباط البحرية ب(حرس الحدود ) وكانت كل الأمور مرتبة بشكل ينم عن كرم الضيافة، واتجهنا بعد ذلك لتناول وجبة الإفطار، ثم قضينا وقتا قصيرا في حديث مع مدير حرس الحدود بمنطقة جازان اللواء عبدالعزيز الصبحي الذي رحب بوفد «الجزيرة» مؤكدا أن حرس الحدود بالمنطقة يبذل جهودا مضنية للتصدي للمهربين والمتسللين طوال الأربع والعشرين ساعة، مشيرا إلى أن تهريب القات يشكل أكثر المحاولات التي تتم في المنطقة ويكون بمعدل (6 إلى 12) طن يوميا، وتتم السيطرة عليها وإتلافها، ويأتي في المرتبة الثانية تهريب حبوب الكبتاجون ثم الحشيش والأسلحة، وذلك عبر حدود مسؤوليات حرس الحدود بجازان البالغة (700) كيلو متر، بعد ذلك ودع اللواء الصبحي وفد «الجزيرة» متمنيا للجميع التوفيق فيما كلف المتحدث الإعلامي بحرس الحدود العقيد عبدالله بن محفوظ بمرافقة الوفد وتسهيل كافة المهام لما يخدم الصالح العام. بعد ذلك انطلق الوفد بقيادة العقيد عبدالله بن محفوظ الذي قدم شرحا وافيا عن أدوار ومهام حرس الحدود لقطاع الموسم لوجود مركز بحري وبري واطلعنا على المراكز المتقدمة حيث توجد (5) مراكز داخل الجزر البحرية فيما يمتد نشاط حرس الحدود من تعقب ومراقبة المتسللين والمهربين إلى خدمة المتنزهين بوضع أكثر من (200) لوحة إرشادية وكذلك مساعدة الصيادين وإرشادهم، وخدمة بعض المنشآت الحكومية والخاصة بالموسم وبيش وفرسان، كذلك استمع وفد «الجزيرة» لدور حرس الحدود لمراقبة الحدود الإقليمية، حيث يقدم «الحرس» مساندات مهمة لعدد من السفن الصديقة وسفن الصيادين في حالة دخولهم حدود مسؤولية جازان، ويقدم حرس الحدود احتياجات تلك الجهات وفق الأعراف الدولية، حيث إن أقصى حدود داخلية بعمق 12 ميلا بحريا غربا، و18 ميلا شرقا وحدود مسؤولية قطاع الموسم (384) كيلو مترا . 95 % من المهربات البحرية مخدرات وأسلحة وبحسب ما أفاد العقيد ابن محفوظ، فقد ركز المهربون نشاطهم خلال العامين الماضيين عبر البحر بشكل ملحوظ وغير مسبوق، وكثف تجار وعصابات المخدرات والأسلحة عمليات تهريبهم عبر البحر حيث يقدر أن (95%) من التجاوزات تتم عبر البحر، وقال العقيد ابن محفوظ: رصدنا خلال الأسبوع الماضي عدة عمليات تهريب للحشيش المخدر أبرزها عمليتان منفصلتان الأولى ثلاثة أشخاص بحوزتهم (181) كيلو من الحشيش المخدر، والثانية شخصين بحوزتهما (200) كيلو من الحشيش المخدر، وكلتنا العمليتين حدثت فيهما عمليات تبادل لإطلاق النار، وأكد أن كل قطاع يختلف عن الآخر حسب طبيعة المنطقة الجغرافية. وخلال تجاولنا في المنطقة لاحظنا وبشكل واضح جهود حرس الحدود في إعادة البنية التحتية من إنشاء مبان جديدة تم وضع إستراتيجية لها من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، وسوف يتم الانتهاء منها خلال عام من الآن، وكذلك إنشاء طرق ووضع سياج شبك يحد من عمليات التسلل والتهريب. كذلك ساهمت الكاميرات الحرارية ووضع الأبراج بالشكل الصحيح والكمائن والدرابيل الليلية والنهارية في إحباط عدة عمليات، ومن خلال مشاهداتنا أدركنا الأثر الملموس لجهود حرس الحدود في تطويق عمليات التسلل والتهريب، والحد من اختراق الحدود بأي شكل كان. واصل وفد الجزيرة برفقة ضباط وجنود حرس الحدود السير على حدود الوطن ومر بمواقع المتنزهين على البحر، ووقف على ما يقدمه حرس الحدود من نشر ثقافة الاستفادة من البحر وتوعيتهم بعدم تعريض أنفسهم أو أطفالهم للخطر، حيث يتم توزيع بروشرات على المتنزهين وتحديد أماكن السباحة والصيد، ويتم إلقاء محاضرات إرشادية وتوعوية على الطلاب وأخذهم بجولات بحرية. ومن أجل إرشاد المتنزهين، نصب حرس الحدود أبراجا بحرية بارتفاع (12) مترا وكذلك أبراج مماثلة للإنقاذ، ويتم تسيير دوريات سرية لمراقبة دوريات حرس الحدود، وكل ذلك يصب في تأمين الحدود، وحمايتها من المتسللين أو المعتدين أو المهربين، حيث تمثل قوات حرس الحدود أعين الوطن التي لا يغمض لها جفن، والتي تسهر على راحته وتأمين حدوده على طول امتدادها. السياج الحدودي قلص التهريب والتسلل بعد انتشار عمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات والمخدرات ببعض المواقع الحدودية، وتزايده بشكل ملحوظ، كانت قوات حرس الحدود لهم بالمرصاد، حيث شرعت قيادة حرس الحدود بجازان بتوجيهات من المدير العام الفريق زميم السواط بوضع سياج (شبك) ساهم بشكل كبير في التصدي لعمليات التهريب والتسلل، وتم تصميم السياج بشكل فني وأمني، بحيث يؤدي المهمة الأمنية، ويصعب اختراقه، وتم وضع أبراج اعتراضية قبل دخول المهربين، فيما جهزت سيارات حديثة للمراقبة، ذات إمكانيات تتناسب مع طبيعة المواقع الجبلية وكذلك وضع لوحات إرشادية وبناء أبراج بأيدي رجال حرس الحدود من بينهم ضابط برتبة عميد. القبض على مقيم اختلس 16 مليونا لم تقتصر جهود حرس الحدود على المتسللين الداخلين إلى المملكة وحسب، بل تمتد للتصدي لمن يحاول التسلل إلى داخل الحدود السعودية أو اليمنية، حيث يتم القبض وبشكل كبير على عدد من المطلوبين للسلطات السعودية أو اليمنية، وتم الكشف عن محاولة تسلل مقيم مصري أراد الدخول إلى اليمن بعد أن نجح في اختلاس (16) مليون ريال، من رجل أعمال سعودي وبعد علمه بإدراجه في قائمة المطلوبين حاول دخول اليمن متسللا عبر منطقة جازان لكن الكاميرات الحرارية رصدته وتم القبض عليه وأثناء التحقيق معه وأخذ بصمته اعترف باختلاسه المبلغ من كفيله وتم نقله للعاصمة الرياض حيث مصدر البلاغ والقضية. وكان المقيم المختلس قد اعترف لحرس الحدود أنه توقع أن الحدود مفتوحة، وأن بإمكانه الهروب متسللا لليمن ومن ثم العبور إلى وطنه، لكنه فوجئ بيقظة رجال حرس الحدود، وبالإمكانيات التقنية العالية المستخدمة في مراقبة الحدود، وبالقدرة على رصد أي حركة عبر الحدود والسيطرة عليها. أكثر شهداء حرس الحدود بجازان رجال الوطن الأوفياء، يقدمون أرواحهم فداء للوطن وغيرة عليه وحماية له، ونجد سجل رجال حرس الحدود الشرفاء في حدود مسؤوليات منطقة جازان الأكثر شهداء ومصابين على حدود الوطن خلال العشرين عاما الماضية، حيث بلغ عدد الشهداء (48) شهيدا من مختلف الرتب والعديد من المصابين خلال مواجهات مسلحة مع المهربين. قيادة حرس الحدود لا تدخر أي إمكانيات أو جهود تسهم في المزيد من تأمين الوطن، وبعد تثبيت العلامات الحدودية لكل دولة سخرت المديرية العامة لحرس الحدود بالسعودية جهودها لوضع عقم ترابي وطريق مسفلت وأبراج وكمائن وكذلك وضع كشافات ضوئية وتم التخلص من بعض الأشجار التي تساهم في تهديد أمن دوريات حرس الحدود أثناء قيامها بمهامها اليومية فيما تم وضع مواقع تخدم عناصر دوريات حرس الحدود. في اليوم الأول من وصولنا لمنطقة جازان وبالرغم أننا لم نأخذ وقتا كافيا من النوم بسبب حضورنا للمطار الساعة الرابعة فجرا واصلنا جولتنا التي امتدت من الساعة السابعة والنصف صباحا من مقر حرس الحدود بمدينة جازان وعبر عدة مراكز ومواقع تحت مسؤوليات حرس الحدود إلى الساعة السابعة مساء، وحينما ندرك مدى التضحيات التي يقدمها رجال حرس الحدود، تهون علينا لحظات العناء والتعب، ويزداد حماسنا لمواصلة الجولات دون التفكير في الراحة أو النوم قبل أن ننفذ برنامجنا اليومي كاملا. تسخير الإمكانيات المتاحة وخلال جولة وفد «الجزيرة» قابلنا قائد قطاع الطوال العميد حسن بن عبدالله العميش، الذي أكد لوفد «الجزيرة» أن حدود مسؤوليات قطاع الطوال تقدر ب(54.5) كيلو متر ويوجد بها ست مراكز و38 نقطة. وقال إن غالبية المواقع توجد بها غابات وأشجار بكثافة يستخدمها المهربون والمتسللون للاختباء بها، وهذا اضطر رجال حرس الحدود لقطع تلك الأشجار وتنظيفها والتخلص منها لتتم بعد ذلك مشاهدة من يحاول تجاوز الحدود والقبض على ه قبل الفرار من قبضة حرس الحدود، مشيرا إلى قيام الحرس وبجهود ذاتية بسفلة وإنارة بعض المواقع بمتابعة من مدير عام حرس الحدود الفريق زميم السواط. ويحرص مسؤولو حرس الحدود على النظافة بشكل كبير، خاصة لعدم وصول خدمات البلديات للمواقع المتقدمة التي تشكل خطرا على من يسلك الطرق وبعض المواقع الحدودية فتم تخصيص فرق مهامها النظافة بشكل يومي وكذلك امتدت عزائم الرجال بحرس الحدود إلى بناء أبراج متقدمة بأيديهم وبجهود ذاتية حرصا منهم على إنجاز الأعمال بسرعة. ولاحظ وفد «الجزيرة» وجود سيارات تحمل مولد كهربائي يستخدم في أعمال تساهم في وضع لوحات إرشادية أو بناء مواقع كالأبراج التي تقدم العمل الأمني، في دلالة على أن رجال حرس الحدود لا ينتظرون وصول التيار الكهربائي إلى منطقة ما حتى يقيمون فيها أعمالا تساند الجهود الأمنية بل يستخدمون المولدات المتحركة، ويستفيدون من كل الإمكانيات المتاحة لإنجاز مهامهم. قصر ومزرعة نسيم حميد عندما كان وفد «الجزيرة» يجوب مواقع حرس الحدود على الحد الجنوبي شاهدنا قصرا كبيرا وسط مزرعة بها أشجار متشابكة بالقرب من الحدود السعودية، ولا يفصل هذا الموقع عن الحدود السعودية اليمنية عدا أمتار، توقعنا للوهلة الأولى أنه مركز أمني تابع لحرس الحدود لكن ضباط حرس الحدود أكدوا لنا أن هذه المزرعة والقصر مملوك لبطل الملاكمة العالمي نسيم حميد، وأكدوا لنا أن البطل نسيم يأتي إلى هذا القصر من حين إلى آخر، كما أن قربه لا يشكل مخاطر أمنية على السعودية كونه مثل أي مواطن يمني أو سعودي يقطن بالقرب من الحدود، وليس للقصر أي أثر سلبي تجاه أمن البلدين. وعلى بعد أربعة كيلو مترات تقريبا من مزرعة نسيم حميد وعلى طول حدود البلدين لفت أنظارنا مجمع أمني كبير مكتمل الخدمات داخل حدود اليمن، ولدى سؤالنا عنه علمنا أن هذا المجمع عائد للسعودية، ولكن بعد ترسيم الحدود أصبح هذا المجمع ضمن الحدود اليمنية فتم تسليمه للأجهزة الأمنية اليمنية، وهو أيضا لا يشكل أي مخاطر أمنية على أي من الجانبين بل يساهم في حفظ أمن البلدين. (تفاصيل جولة وفد «الجزيرة» على جبل دخان والبحر في الجزء الثاني) ( جميع التعليقات على المقالات والأخبار والردود المطروحة لا تعبر عن رأي ( صحيفة الداير الإلكترونية | داير) بل تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولإدارة الصحيفة حذف أو تعديل أي تعليق مخالف)