المطلب الرابع: الاعتراضات التي يوردها مبيحو القات والإجابة عليها المقصد الثاني : الإجابة على اعتراضات المبيحين لتعاطي القات ثالثا: أما اعتراضهم بأن القات لا يسبب الادمان.. فهذا أيضاً في الغالب صحيح.. ؛ لأن الادمان بالمعنى المعروف عمن يتعاطى المخدرات تكون له آثار وأعراض واضحة ، وذات آثار سيئة يعاني منها المتعاطي.. وهذا لا يحدث لمتعاطي القات في الغالب الأعم. ولكن الادمان (1) ( الاعتماد ) نوعان: اعتماد عضوي ( بدني ) : وهو الحالة الناتجة من تكيف الجسم على العقار ؛ بحيث تظهر على المتعاطي اضطرابات نفسية وعضوية شديدة ، وخاصة عند امتناعه عن تناول العقار بصورة مفاجئة (2). وهذا لا يحصل مع متعاطي القات. اعتماد نفسي ( شعوري ) : وهو الحالة التي تنتج عن تعاطي عقار ما ، وتسبب الشعور بالارتياح ، وتولد الدافع النفسي لتناوله بصورة دورية أو متصلة تحقيقاً للذة الزائفة، وتجنباً للتوتر والقلق (3). وهذا ما يحدث مع متعاطي القات غالباً. فتعاطي القات لا يسبب الادمان العضوي الذي له آثار وأضرار بالغة الخطورة.. وإنما يسبب الادمان النفسي بمعنى ( الرغبة والتعود ). وهذا ما حدا بمنظمة الصحة العالمية إلى تصنيف القات في فئة منفصلة ومستقلة عن الإمفيتامين وغيرها من المنشطات والمخدرات ؛ لأنه يندرج حسب تقرير منظمة الصحة العالمية تحت الانقياد النفسي فقط. ولذلك قالت في إحدى دراساتها: (( لقد أجمعت الآراء على أن القات يؤدي إلى نوع من الاعتياد النفسي لا البدني. فمن النادر أن يؤدي القات إلى حالات من الذهان العقلي أو الانفصام إلا أنه يمكن اعتباره عاملا مساهماً في الإسراع بالذهان العقلي لدى الحالات الحساسة ذات الاستعداد )) (4). كما أثبت الباحث اليمني إبراهيم الجرافي بعد تجارب عديدة أن القات لا يؤدي إلى الإدمان الفسيولوجي ؛ لأن الجسم لا يعتمد عليه ، ولا ينقاد لاستهلاكه والاستزادة من كميات الاستهلاك ، وبإمكان أي شخص الإقلاع عنه بدون حدوث أي أعراض فسيولوجية ضارة. كما هو الشأن في الإمفيتامين والمورفين وغيرها من المواد المخدرة ( 5). وإذا كان القات يندرج تحت الانقياد النفسي ( الرغبة والتعود ) فقط ( 6) ، فليس معنى ذلك أن آكل القات الذي يتعاطاه بكميات كبيرة ، وبصورة مستمرة لفترة طويلة ، عندما يترك تعاطي القات لا يعاني من أعراض .. بل إنه يعاني من فتور شديد في الهمة ، وشعور بالكسل وتشتت الأفكار ، هذا في النهار. أما في الليل فيصاب المتعاطي المدمن بالصداع والكوابيس والغثيان ، والشعور بالقلق . كما أنه يصاب بما يسمى بالرازم وهو : حالة تصيب المدمن على القات عندما ينام ولم يمضغ القات في ذلك اليوم ، وهي عبارة عن كوابيس شديدة تقلقه طوال الليل ، ويشعر بصداع شديد ، وثقل في الجسم مع شعور بآلام شديدة ، وعدم القدرة على الحركة. وتكون تلك الليلة من أصعب وأطول الليالي التي تمر على المدمن على تعاطي القات، حيث يصاب بالصداع وكأن رأسه مثل الجبل ، وكأن عينيه تكادان تخلعا من مكانهما، بالإضافة إلى الكوابيس والقلق ، وعدم القدرة على النوم ، والأرق مما يجعل ذلك المدمن يسعى لشراء القات في اليوم التالي حتى ولو باع كل ما يملك... (7). وهذا ما أكده الفريق البحثي الذي زار اليمن وأجرى دراسة واسعة استمرت من عام 1974 إلى 1976م وشملت أكبر ثلاث مدن في الشمال وهي: صنعاء ( 138ألف نسمة) ، وتعز ( 134ألف نسمة ) ، والحديدة (83 ألف نسمة) ، وتمثل جوهر الدراسة في مزيج من مسح سسيولوجي وصحي في تلك المدن الثلاث ، وقد أطلقوا عليه ( مسح المخزنين ) (8). فقد قرر الفريق البحثي أن القات يسبب الادمان النفسي ، وليس البدني ( الفيزيقي) ، ولكنه أشار إلى أنه يمكن تعرض بعض الأشخاص المكثرين من أكل القات إلى أعراض ارتدادية فسيولوجية مشابهة لما يحصل لمدمن المخدرات الأخرى.. حيث قالوا: (( وبالرغم من وجود دلائل عديدة على عدم ظهور أعراض ارتدادية فسيولوجية ، فإن هذا الأمر لا يتسم بالوضوح القاطع.. فخلال مناقشات مع الذين يخزنون بإفراط حول هذه القضية ، قدّم هؤلاء وصفاً لخبرات عانوا منها يبدو أنها تعادل الأعراض الارتدادية الحقيقية ، وحتى وإن كانت من طراز ضعيف... )) ( 9). وأشار المخزنون بإفراط أنهم حاولوا الكف عن التخزين أكثر من مرة ، ولكنهم يعودون ، وقد أرجعوا هذه العودة إلى ثلاثة أسباب رئيسية: الأول: شعروا بتعب شديد ، ووهن في الطاقة ، وكسل عام. وظلوا لأيام عديدة يجدون صعوبة في ممارسة أوجه النشاط العام. الثاني: عانوا من ارتجاف خفيف استمر عدة أيام . الثالث: حدوث أحلام مزعجة إلى أقصى حد ، استمرت عدة ليال بعد الامتناع عن التخزين. وعلى سبيل المثال غالباً ما يحلمون بأنهم يتعرضون للهجوم والخنق أو المطاردة (10). وما سبق ذكره هو ما جعل بعض الباحثين اليمنيين يشبه الرازم بالإدمان ، ويرى أنه لا فرق بينهما كحالة مرضية ، ويقول : ما أشبه ما يصيب مدمن القات بما يصيب المدمن على المخدرات عند عدم تناول الجرعة التي اعتاد على تعاطيها (11 ). ولهذا فقد أشار الفريق البحثي المشار إليه آنفاً إلى أن ما تعرض له المخزنون بإفراط من الأحلام المزعجة ، وحالات الارتعاش لا يمكن تفسيرها بمعزل كامل عن " الظواهر الارتدادية " ، ورأوا أن التوعك العام ، والارتعاض ، والأحلام غير السارة تبدو بدرجة ما كنتاج فسيولوجي بحت للحرمان من العقار ( القات ) ، ولكنهم أشاروا إلى أن ذلك إنما ينتج عن الاستخدام المفرط للغاية (12). ورغم كلما سقناه هنا ، إلا أنه لا يمكننا تعميم هذه الحالات على غالبية المتعاطين ؛ لأن كثيراً ممن نعرفهم تركوا تعاطي القات ولم يذهبوا إلى أي جهة مختصة لتقدم لهم أي مساعدة.. كما أن الشخص الذي يتعاطى القات لسنوات طويلة يمكنه تركه إذا سافر إلى منطقة لا يوجد بها قات ، دون أن تحدث له أي مشكلة.. وهذا يدل على أنها أعراض لا تستمر بل تتوقف عمن يواصل الانقطاع عن تناول القات ، وكأنها أعراض نفسية ، أو تأثيرات شيطانية يبتلي بها الله صدق عزيمة التائب أو المقلع عن تعاطي القات ف يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ ... وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء (13 ). وقد قال الباحث اليمني أ.د. عبد الرحمن ثابت : أما الرغبة القهرية في الحصول على القات يمكن التغلب عليها ببساطة دون أي اعتماد فسيولوجي قوي (14). ونسبة الذين يتعرضون لهذه الحالات ( الأعراض الارتدادية ) قليلة جداًّ ، فتكون الحالات نادرة ، والنادر لا حكم له. وعليه.. فإن متعاطي القات يعاني من الإدمان النفسي ، وليس العضوي.. وهذا الإدمان يختلف حدة وضعفاً من شخص لآخر لعدة عوامل وأسباب ، منها : طول مدة التعاطي ، والنوع ، والكمية.. وكذا الحالة المزاجية والنفسية لمتعاطي القات. رابعاً: أما الاعتراض بأن القات ليس فيه أضرار.. فهذا قول غير صحيح البتة ، والقائل به غير منصف أو متجرد للحق ، وإلا فأضرار القات المختلفة قد شهد بها القاصي والداني ، بل وأقر بها كثير ممن يأكلون القات ، وهي أضرار دينية ، وصحية ، واجتماعية ، واقتصادية ، وبيئية... فالقات يحصل به أضرار خاصة وعامة ، ولولا خشية الإطالة لذكرتُ شيئاً كثيراً في هذا الجانب (15) ، ومنكرو أضرار القات قليلون نسبة بالمقرين بها ممن يعرفون القات أو يأكلونه. ( 1) بعض خبراء منظمة الصحة العالمية استبدلوا تعبير الادمان بتعبير ( الانقياد للمخدر ) وقسموا المفهوم العام للإدمان إلى قسمين: 1- انقياد فيزيقي ( بدني ) . 2- انقياد نفسي. (2 ) إقرأ ثم قرر ، كتيب صادر عن قسم التوعية بإدارة مكافحة المخدرات برئاسة الحرس الوطني بالمملكة العربية السعودية ، 5 . (3 ) إقرأ ثم قرر ، 5 . ( 4) القات المادة المنبهة ، فصل من كتاب: مشكلة المخدرات في الإطار الاجتماعي والثقافي. منشورات منظمة الصحة العالمية. ترجمة: بلقيس الحضراني. ضمن كتاب:القات في حياة اليمن واليمانيين ، 248. ( 5) ثقافة القات ، 20 . ( 6) ينظر: هل الإدمان على القات نفسي أم عضوي ؟. العقيد: بريك بن عائض القرني ، 34، ط2جمعية التوعية بأضرار القات بجازان 1429ه - 2008م. فقد قال : " وعلى هذا الأساس يكون الإدمان على القات ، إدمان نفسي.. ". ( 7) القات نبات شيطان ، 91 بتصرف . ( 8) استخدام القات ومشكلة الادمان .. دراسة في الانثروبولوجيا الطبية ، جون كيندى ، وجيمس تيجيه ، ولين فيربانكس ، ترجمة: أحمد القصير ، ضمن كتاب: القات في حياة اليمن واليمانيين ، 259- 260. (9 ) المرجع السابق ، 265. (10 ) ينظر: المرجع السابق ، 265. (11 ) القات نبات شيطان ، 91. (12 ) ينظر: استخدام القات ومشكلة الادمان .. دراسة في الانثروبولوجيا الطبية ، ضمن كتاب: القات في حياة اليمن واليمانيين ، 266. ( 13) سورة إبراهيم ، جزء من آية : 27. ( 14) القات الوجود المتجاوز للحدود ، 203. ( 15) تعرضتُ لأضرار تعاطي القات في رسالة الماجستير ( دعوة متعاطي القات...) وسوف تطبع قريباً إن شاء الله.