يعلم الكثيرون منا ومتخصصو المناخ، أن جبال منطقة جازان هي الأغزر مطراً على مستوى المملكة، خصوصاً تلك الجبال الواقعة شرق محافظة العارضة وجبال بني مالك وفيفا وبني حريص وآل تليد والريث، وهذه المعلومة مبنية على إحصاءات مناخية مدونة منذ عشرات السنين. وبما أن المنطقة في كل سنة تحظى بسقوط أمطار غزيرة على جازان عامة والمرتفعات الجبلية خاصة التي تحتضن عشرات الأودية العملاقة، وبعضها يقع خلفها كبريات سدود المملكة كسد وادي جازان وسد وادي بيش، فهذا دليل على أن المنطقة غزيرة الأمطار وأوديتها تصبح خطيرة جداً ويترتب على ذلك وجود مخاطر على حياة المواطن والمقيم في ظل وجود نقص في إمكانيات رجل الدفاع المدني من تدريب ومهارات إنقاذ يحتاجونها عند اللزوم. وقد شاهدنا من خلال صحيفتنا الموقرة "سبق" بعض الأخبار المدعمة بصور ومقاطع فيديو حول غريقي وادي جازان وعجز رجال الدفاع المدني عن إنقاذهم، على الرغم من وصولهم قبل ذلك بوقت كاف. حضر رجال الدفاع المدني بلبسهم الرسمي وبسياراتهم الرسمية ولكن لم يستطيعوا تقديم أي مساعدة للشابين قبل أن يجرفهما السيل، بل إنهم غادروا الموقع دون تقديم أي مساعدة، وكأن لسان حالهم يقول (لسنا لها!)، ولا اعتراض على قضاء الله وقدره، فرحمها الله وتقبلهما عنده من الشهداء، وإنا لله وإنا إليه راجعون. لكن ما يثير للدهشة أن هذه الحادثة مشابهة لحالات سابقة وبالتحديد في يوم 27 من شهر رمضان المبارك السنة الماضية، عندما جرف سيل وادي الكرمة بمحافظة الداير بني مالك رجلاً وابنه على مرأى من رجال الدفاع المدني وعجز كبير ممن حضروا منهم الواقعة، فجرف السيل الرجل وابنه ومكث رجال الدفاع المدني بالمنطقة للبحث عنهم أكثر من 24 ساعة، فعثروا على جثتي الغريقين وكان آخرهما جثة الأب في سد وادي ضمد على مسافة كيلومترات من موقع الحادثة. هذه الحوادث كانت بسبب الأمطار والسيول الغزيرة التي تتكرر وستكرر سنوياً، ولن تكون الحادثة الأولى أو الأخيرة أو أنهما الحادثتان الوحيدتان، فأنا أجزم أن هناك حوادث مشابهة ولكنها لم تحظ بتغطية إعلامية كما حدث لهاتين الحادثتين في سنتين متتاليتين، فما أشبه اليوم بالبارحة! ما أود قوله هنا ليس انتقاداً لعجز رجال الدفاع المدني بجازان أو التقليل من جهودهم، ولكن بما أن المنطقة غزيرة الأمطار خصوصاً في موسم الصيف فكان يجدر بهم منحهم فرصاً تدريبية على مثل هذه الحالات التي بلا شك ستكرر بشكل سنوي، وتكون هناك حالات استنفار لهم واستعداد تمام مع مواسم الأمطار أو موجات الأعاصير والغبار التي تجتاح المنطقة خصوصاً في شهور الصيف وعادة ما تسبق سقوط الأمطار في فصل الصيف. كذلك نجد أن المواطنين والمقيمين بحاجة إلى التوعية بمخاطر غزارة الأمطار والسيول الناتجة عنها، والتدريب على الإنقاذ "متى لزم الأمر" وهذا في رأيي يتم من خلال عقد لقاءات في المدارس في مختلف المراحل التعليمية ومن خلال الإعلانات واللوحات الإرشادية وإطلاق التحذيرات عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. كذلك أؤكد على أهمية وجود قاعدة للطيران العمودي للدفاع المدني بالمنطقة، كون المنطقة متنوعة في تضاريسها، فمن شأن ذلك المسارعة في عملية الإنقاذ لأي حادثة قد تحدث لا سمح الله في المنطقة. فجازان بها المرتفعات العالية التي يتعرض أهلها لحوادث السقوط أو حوادث سقوط السيارات من قممها وسفوحها، وسبق أن تعرض أهلها وزوارها لحوادث سقوط سياراتهم ولم ينتشل جثثهم سوى الدفاع المدني والمواطنين بعد مضي عدة ساعات من وصولهم، وكذلك تتعرض غابات العرعر في مرتفعات جازان لحرائق عدة، ولولا الله ثم الطيران العمودي لقضت تلك الحرائق على مساحات شاسعة على رغم من تأخر وصولهم لأيام. هذا واقع الدفاع المدني ومراكزه بجازان وهذا المأمول منهم مستقبلاً. سائلين الله عز وجل للجميع التوفيق لكل خير. المصدر: سبق