إن المرء عندما يلتقط قلمه ويشرع بالكتابة بغض النظر عن طبيعة الكتابة. فإنه يكون مدفوعاً بهاجس داخلي يلح عليه بأن يترجم أفكاره ومشاعره المتقدة إلى حروف وكلمات.. إنني أشبه عملية الكتابة دائما بالتنهيدة التي لا بد أن تخرج من الإنسان حتى يشعر بالراحة وهدأة النفس. ولعلها كذلك بالفعل فلو سألت أحدهم عن شعوره عندما ينتهي من التعبير عن تجربة ما بالكتابة، فمن المتوقع أن يبتسم في وجهك منتشيا، ويلوح لك بالورقة التي ترجم فيها شعوره بشيء من الظفر قائلاً: ...هنا أفرغ شحناتي المجنونة... نكتب أحيانًا تألُّمًا وشكوى مما يثور في أعماق وِجداننا، وفي أحيان أخرى نكتب نيابة عمَّن لا قلمَ له ولا صوت. نكتب أحيانا للتنفيس وإراحة لضمائرنا المثقلة والمتعَبة. نكتب لنستعيد بعض إحساسنا وشعورنا، ونحرِّر دمعات حارة حبستْها بلادة الطبع، وغلاظة الرُّوح. نكتب لنغازل الفرح ونُراقص الأمل، نكتب توجُّعًا وألماً لسؤ الخدمات في محافظة الداير، وحِدادًا على عدم وجودها وإن وجدة فمثل عدمها. نكتب لأننا نحب أن نكتب، وحينما نشتاق نُعانق القلم بلا استئذان، ونُراقصه بلا خجلٍ، وحينما يصمت القلم وتجدب سَماؤه نحسُّ بالشقاء وتتلاعب بنا أوهام الضياع، نحاول الكتابة رغم صدود القلم وجَفوة الحبر وصَمم الورق، نتحدى المستحيل لنكتبَ...