سابع عشر: القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني المتوفى سنة 1419ه: يقول: (( هنا في دمشق وفي 28صفر سنة 1403ه عرض عليَّ الأخ العلامة أحمد بن عبد الرحمن المعلمي هذا الرد الذي حررته كجواب على سؤال العلامة إسماعيل بن مهدي الغرباني الشافعي – رحمه الله – في 18 ذي القعدة سنة 1362ه أي قبل أربعين سنة وثلاثة أشهر وعشرة أيام... وقد أراد الأستاذ أحمد مع هذا الاستعراض أن أراجع الجواب ( ) فقد يكون لي رأي آخر بعد هذه المدة الطويلة التي قيل فيها عن القات الكثير ، وبعد أن تركت تناول القات من قبل ثلاثين سنة... وقد فعلت ما ندبني إليه ، ولكني لم أجد ما يحملني على الرجوع عمّا كنت أراه آن تحرير الجواب لعدم قيام دليل على ذلك ، وكما أن الحق قديم فالاستمرارية ملازمة له حتى يقوم دليل ، ولا دليل فيما نعلم... أقول هذا مع أني من محاربي القات والداعين إلى تركه ، لا لأنه حرام ؛ ولكن لما يجرُّه على شعبنا من متاعب اقتصادية ، وصرف للمال والوقت فيما لا يعود على مسيرة الرخاء المطلوب بالنفع. ولكن مسألة الصحة والفساد ، والتحريم والتحليل أحكام شرعية يحتاج إثباتها أو نفيها إلى الدليل الصحيح ، وهو ما نفقده هنا ، ولذلك أنحينا باللائمة على أولئك العلماء الذين اجتمعوا في المملكة العربية السعودية وأصدروا فتوى بتحريم القات ، قالوا: لأنه مسكر وكل مسكر حرام ، ولأن المقدمة كما يراها كل منصف باطلة ، فقد جاء الحكم كذلك...)). إلى أن يقول: (( فالقول بالتحريم أملاه الهوى ، وهو من التقوُّل على الله بما لم يقله، وذلك ما يجب أن يتهيَّبه علماء الإسلام المحتاطون لدينهم ( ). ثامن عشر: القاضي محمد بن يحيى المطهر: فقد قال في تقديمه لرسالة العلامة الشوكاني ( البحث المسفر عن تحريم كل مسكر ومفتر ): (( ... والذي ورد في الشرع هو تحريم كل مسكر ومفتر ، وقد شهد العلاّمة الشوكاني وشهد معه علماء القضاء بأن القات ليس فيه شيء من التخدير أو التفتير أو الإسكار عن تجربة ومعرفة بالاستعمال المستمر ، وأنه لا يزيد عن مفعول الشاي والبن وأمثالهما من التنبيه والبعث للنشاط على العمل ، فكيف كان قرار الإخوة في المدينةالمنورة بإدراجه في قائمة المسكرات رجماً بالغيب وتحريماً بغير دليل ؟ . أما كان عليهم أن يرجعوا إلى شهادة العارفين به وفي مقدمتهم الشوكاني – رحمه الله- بدلاً من أن يتحمّلوا وزر إجراء العقوبات الصارمة على من وجد عنده شيء من القات ، أو وجد متلبساً بمضغه ، أو اعترف أنه يمضغه... وقد دعا إلى تكوين لجنة من علماء اليمن وغيرهم للنقاش في هذه المسألة والاستعانة بتحليل هذه الشجرة في المختبرات المتخصصة لمعرفة المخدرات إن لم تحصل القناعة برواية المستعملين له من العلماء الموثوق بهم ، وفي مقدمتهم الشوكاني ، ثم الخروج بحكم مدعم بدليله التجريبي العلمي والشرعي لا لمجرد الدعاوى ( فالدعاوى مالم تقيموا عليها بيّنات أبناؤها أدعياء ) ( ) . تاسع عشر: فتوى مجموعة من علماء اليمن بشأن القات: وقد صدرت هذه الفتوى في مارس عام 1982م ، عقب صدور فتوى علماء المؤتمر الإسلامي العالمي لمكافحة المخدرات والمسكرات والذي انعقد في المدينةالمنورة بدعوة من الجامعة الإسلامية ما بين 27- 30/5/ 1402ه الموافق 1982م ، والذي شارك فيه ممثلون من سبع عشرة دولة إسلامية ، وقد قرر المؤتمرون في ذلك المؤتمر: أن القات من المخدرات المحرمة شرعاً. ومما جاء في فتوى علماء اليمن: (( كان اجتماعنا لدراسة موضوع القات وتناوله ، لنضع حول تحريمه أو تحليله فتوى مقنعة. إنه قد كثرت الإشاعات من بعض الجهات بأن القات من المخدرات ، مستندهم في ذلك إلى دعاوى راجت وانتشرت حتى اجتذبت إليها بعضاً من العلماء ، فأفتوا بتحريم القات قبل أن يتصلوا بعلماء اليمن ليأخذوا الحقيقة من مصدرها ؛ لأن أعلام اليمن هم الذين عاشوا مع القات منذ دخوله إلى اليمن ( وعند جهينة الخبر اليقين ) فقد كان أولئك الأعلام يتناولون القات ، وفي طليعتهم العالم المجتهد عبد الله شرف الدين ، وما زال العلماء يتناولون القات ، ومنهم السيد حسن الجلال وإمام السنة محمد بن إسماعيل الأمير ، وشيخ الإسلام محمد الشوكاني رحمهم الله. ولقد كان الشوكاني والأمير من أعظم وأقوى الآمرين بالمعروف والناهي عن المنكر ، ثم إنا نحن نتناول القات ولا نشعر بما يذاع ويشاع من تخدير أو تغيير ، ولا يتجاوز القات في تنبيهه مستوى البن والشاي ، بل لا يصل إلى مستواهما ، هذا ما نعلمه علماً يقيناً بالتجربة والمشاهدة أيضاً والتحليل الكيماوي من كثير من المختصين ، فلا نعرف من أنفسنا ، ولا سمعنا من سلفنا من يتأثر بتناول القات كما يتأثر من يتناول المخدرات ، ونضرب مثلاً بالمعماريين : فإنهم يزاولون أعمالهم في ارتفاع أعلى منارة تشبه ناطحات السحاب ، فقمة المنارة لا تبلغ مساحتها نصف متر ، والمعماري مختزن للقات في فمه يجري عمله بكل إتقان واتزان ، ثم هناك ظاهرة من هذا النوع ، فكثير ممن يتناول القات مدة ثم يتركه ولا يؤثر فيه ، وهذا موجود في اليمن نفسها ، ولا يجد أي تغيير أو انحطاط لمفارقة القات ، ومن المعلوم أصولياًّ وفقهياًّ أن الأحكام المترتبة على علم الحاكم أقوى من الأحكام المترتبة على رواية الغير ، ونحن نعرف القات وطبيعته معرفة كاملة ، ولم نتأثر ولم نتخدر ولم نفتر ، كما أننا لم نسمع ممن يتناوله أنه أصيب بفتور أو تخدير ، فالقات مثل الشاي والبن والقهوة العربية. وقد قال العلامة محمد رشيد رضا في تفسير قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً... ( )، وأقول هنا: إن هذه الجملة هي نص الدليل القطعي على القاعدة المعروفة عند الفقهاء : إن الأصل في الأشياء المخلوقة الإباحة. والمراد إباحة الانتفاع بها أكلاً وشرباً ولباساً وتداوياً وركوباً وزينة . بل لا يبلغ القات مستوى البن والشاي... ثم إن فيه فوائد اجتماعية واقتصادية وغيرها... وعلى كلٍّ القات مصدر اجتماعي ، ومصدر ثقافي ، ومصدر اقتصادي ، هذا ما نعرفه ويتحدث به واقع اليمن ريفه ومدنه ( ). ومن هنا فنحن كعلماء مسؤولين عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبيين الحقيقة نقرر ونفتي بأن القات حلال حلال حلال. حكم مصدره علمنا الذي هو مستند تقرره الشريعة القائمة على الدليل النقلي والعقلي...)). إلى أن قالوا: (( وإلى جانب ما شرح أعلى ، وهي ومضة من قبس الشريعة الإسلامية يأتي التحليل الطبي الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وغيرها وهو ما سننشره إن شاء الله... هذا وقد نشرت هذه الفتوى في جريدة الرأي العام في العدد(50) وتاريخ: 8/6 /1982م ، وأعيد نشرها في العدد (79) ، وكان مما جاء في هذا العدد: (( أن علماء أمريكا أخذوا عينات من القات وحللوها في المختبرات ، وجاءت النتيجة خلوها من المواد التي تؤدي إلى السكر وفقدان الوعي ، وأنه من إحدى المواد المنبهة ، فقررت السلطات الأمريكية استبعاد القات من قائمة المخدرات ، وسمحت بتعاطيه وبيعه... ( ). الهوامش ... ( ) جوابه عندما أفتى بجواز الصلاة وصحتها والقات مخزون في القم !. ( ) القات في الأدب اليمني والفقه الإسلامي ، 73- 76. والحقيقة أن العلماء الذين اجتمعوا في المدينةالمنورة لم يجعلوا علة تحريم القات الإسكار كما قال الشيخ – عفا الله عنه - ، ولم يكن ذلك لهوىً ، أو تقولاً على الله تعالى.. حاشا وكلا ؛ ولكنهم حرموا القات لأضراره وآثاره ، وما يترتب على تعاطيه من نواح عدة : دينية وصحية واجتماعية واقتصادية...إلخ ، وقد أشار هو إلى أنه من محاربي القات والداعين إلى تركه بسبب تلك الآثار!، فكيف يتهم كوكبة من علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والفضل والديانة بأنهم حرموا القات بداعي الهوى ؟!!. وأي الأمرين أقرب إلى التقول على الله : تحريم القات ، أم القول بجواز الصلاة والقات مخزون في فم المتعاطي ؟!!. نسأل الله أن يغفر للجميع ، وأن يجعلهم بين أجر ، وأجرين ، وأن يتغمد الشيخ بالرحمة والغفران.. إنه واسع الفضل ، كريم العطاء. ( ) القات في الأدب اليمني والفقه الإسلامي ، 126- 128 . ( ) سورة البقرة ، جزء من آية : 29 . ( ) يا سبحان الله كيف يتعامى هؤلاء العلماء عن أضرار زراعة القات وتعاطيه ، ويتجاوزون ذلك إلى الإدعاء بأن له فوائد...! ، ويقولون : إن واقع اليمن يشهد بتلك الفوائد ؟!! . وإذا كان واقع اليمن يشهد بفوائد القات! ، ولم يشهد بأضراره التي لا حصر لها ! ، فإننا نقول: إنه لم يشهد بالحق والعدل! ، أو حُرِّفت شهادة ذلك الواقع ؛ لِيُدلي بغير الحق ، ويشهد بما يخالف الحقيقة! ، مع أن الواقع لا يشهد إلا بالحق والحقيقة ، وأضرار القات في اليمن حقيقة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار.. ولكن: يُقضى على المرء في يوم محنته ... حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن ( ) القات في الأدب اليمني والفقه الإسلامي ، 164- 167.