آمل ممن يقرأ هذا أن يربأ بي عن العنصرية والأنانية فهما صفتان أدوسهما مذ وعيت على الحياة , وليأخذه من مبدأ الغيرة والحرص على الوطن وأمنه ,فالداير شوقي وحبي وإحساسي , أهلي وعشيرتي وناسي , على ثراها درج شبابي , ومن هواها تنفس فؤادي, ونما عقلي وتوارد إيهابي , وفيها عاد عملي وتحقق أملي , وبلغت من العمر فوق الأربعين , عليها أخاف وعلى ناسها وساكنيها أشفق , بكيت لحال أسواقها ومطاعمها ومخابزها مع الهنود والبنغال , ولعبور أرباب التهريب والتخريب والمخدرات حدودها على كل حال , وأجدني اليوم مشدوهاً لوضع أعايشه كل حين , ويكتوي بناره ابن المحافظة المسكين , فذات عصرية ندية الأجواء , عزمت على شراء (جدي) حبا للمرق والشواء , فأخذت محفظتي وتأبطت خبرتي في البيع والشراء , وذهبت للمجلبة لأرى مجموعة من الشباب بلباس بدوي جميل , وبرؤوس مرفوعة , وهيئات متنعمة ففرحت أن الشباب المحافظة غد أفاقوا وأخذوا زمام المبادرة , ودنوت منهم مبايعا , فإذا باللغة غريبة , والنظرات مريبة , فقلت : ممن أنتم ؟ فقالوا : كلنا من (بني منبه ) فقلت :عجيبة ! وخفت المصيبة ! وانسللت طالباً لقمان مرددا: ياليل دان!! وبعد أسبوع تقريباً طلب مني أحد الأشخاص الذهاب به إلى موقف السيارات , فهالني منظر الهايلكسات والشاصات المرابطة , واختلفت علي الوجوه , ولما سألت كان الجواب : من (بني منبه) , فعددت الأمر مجرد مصادفة , وأخذتني مشاغل الحياة , وعندما احتاجت المدرسة التي أعمل بها (القعقاع) لبعض الأغراض المرتبطة بسوق الخضار ، توجهت لهناك لأجدني أمام نسخة من (ويندوز منبه 2011) مكررة , وعندها رأيت الأمر جد خطير , وكعادتي حاولت كبح جماح نفسي , وخرجت مباشرة لإحدى محطات الوقود القريبة , وحالما وقفت وجدت سيارتي مطوقة بصبية صغار من الجنسين من(بني منبه) خرجت من وسطهم بأعجوبة متناهية , وبرغم شعوري بتناقص هواء إحدى كفرات سيارتي فقد آثرت الابتعاد واللجوء إلى إحدى الورش المعروفة لأدعو بسرعة : النجدة النجدة , فإذا بالمنجد من (بني منبه) وبعدها ذهلت , وأصابني الرعب , لأن كل الذين سبقوا من مجهولي الهوية مقيمين بين ظهراني المحافظة وأهلها ,سدوا منافذ رزق أبنائها ودهسوا أزهار خيراتها , ومصوا دماء أكبادها دون حسيب أو رقيب , وكلما هنالك مجرد عرف قبلي نجده لزاما علينا ومن طرف واحد , وعليه فإني أقترح على رؤوس المحافظة وأهلها ومع التسليم بهؤلاء الأصناف منحهم الأمان المقدم لهم على طبق من التقاليد والأعراف مقابل قيامهم بإصلاح ما لحقه التدمير والإهمال من المدرجات الزراعية المتناثرة هنا وهناك , حتى نجد عذرا لبقائهم , وسببا وجيها لجولاتهم الحرة الآخذة في التنامي حد الوصول إلى مقر المحافظة ومنازل المشايخ والأعيان ومدارس البنات !! والله من وراء القصد .