أعادت منتخبات المملكة بمختلف درجاتها الوهج والتألق للرياضة السعودية، فمنتخب الناشئين حقق كأس العرب وكأس الخليج، وشباب 93 حقق وصافة العرب، ومنتخب الشباب تأهل للدور الثاني في كأس العالم المقامة في كولومبيا.. هذه الإنجازات المتلاحقة التي فقدناها في العقد الماضي على صعيد كافة منتخباتنا سواء على المستوى الخليجي أو العربي أو الآسيوي أو العالمي، كيف تحققت؟ لا أتفق مع من يجير هذا التفوق للكوادر الفنية الوطنية التي قادت هذه المنتخبات فحسب، ويبدو لي أن الإجابة تحتاج إلى رؤية عميقة ونظرة أكثر شمولية من أن تختزل في طاقم فني وطني أو إداري، فالتفوق جاء نتاج منظومة عمل هرمية متكاملة بدأت عبر بوابة الأندية، التي اهتمت في السنوات الماضية بالفئات السنية اهتماما منقطع النظير، حيث استعانت بالمدربين المتميزين، واستقطبت المواهب، وهيأت المعسكرات الداخلية والخارجية، وانعكست هذه العناية الفائقة على مستوى البطولات محليا، فرأينا دائرة المنافسة على مستوى الناشئين أو الشباب أو الأولمبي تتسع بين الهلال والنصر والاتحاد والأهلي والاتفاق والشباب وحطين، بعد أن كانت تقتصر في السابق على فريق واحد. مخرجات أنديتنا السنية تحولت إلى المعمل الكبير؛ أي للقائمين على هذه المنتخبات الذين استطاعوا العمل على تصنيفها، وتوفير الكوادر الوطنية والجو المناسب والدعم الكافي لها فكان من الطبيعي والمنطقي أن يحين جني البطولات وقطف الإنجازات، بل إن وسائل الإعلام العالمية صادقت على هذا التميز كأكبر دليل، لكن السؤال الجوهري والمهم: كيف نستثمر هذا التميز والإبداع؟ وما الوسيلة المثلى للاستفادة من هؤلاء النشء مستقبلا؟ في تصوري أن الإجابة على ذلك في بطن الشاعر.. هذا الشاعر ليس طرفا واحدا، بل عدة أطراف، فالنادي مسؤول، واللاعب ركيزة مهمة، والمنتخب داعم رئيس، والإعلام شريك فاعل، والاتحاد السعودي بلوائحه ولجانه معني بالأمر. النادي مسؤول من ناحية ضرورة دعم هؤلاء الناشئين أو الشباب بإتاحة الفرصة للمبدعين منهم في الفريق الأول، ولنأخذ على سبيل المثال محيسن الجمعان الذي شارك مع المنتخب الأول في لوس أنجلوس 84، قبل مشاركته مع منتخب الشباب المشارك في كأس العالم 85 التي أقيمت في الاتحاد السوفييتي آنذاك في خطوة تحسب للمدرب خليل الزياني، كما أن اللاعب ركيزة مهمة إذا قدر موهبته وابتعد عن الغرور، ولنا في أحمد جميل، فهد الهريفي، محمد الدعيع، خالد مسعد، وفؤاد أنور خير مثال كلاعبين سابقين مثلوا منتخب الشباب وقدروا نجوميتهم فوصلوا بجدارة إلى المنتخب الأول. الأمر الأهم هو كيف يتسنى لنا الاستفادة من هؤلاء النجوم الواعدين والاتحاد السعودي يُطبق على الأندية ويضيق الخناق عليها بقائمة ال 30 لاعبا، وشاهدنا العام الماضي تضرر معظم الأندية من هذا التقييد بعد أن فاجأتهم الإصابات وأربكتهم الإيقافات محليا وآسيويا، واستدعاء بعض اللاعبين للمنتخب الأولمبي، وكنتيجة منطقية لما حدث، ما المانع من أن تمنح الأندية حرية استقطاب ستة لاعبين واعدين من الفئات السنية للفريق الأول، لتضاف إلى قائمة ال30 لاعبا؟ النتيجة أننا سنضرب بهذا الاستثناء عصافير بحجر، فالأندية ستستفيد، واللاعب الناشئ سيطور أداءه، ويكتسب الخبرة عبر وجوده مع نجوم الفريق الأول، والرابح من هذين الأمرين المنتخب. وبما أن المنتخب الأول مقبل على مشاركات في غاية الأهمية، وهو المستفيد الأكبر من التغذية الراجعة لهذه المنتخبات، فلماذا لا يتم استقطاب أجهزة فنية هولندية لتوحيد مدارس منتخباتنا، مع الاستفادة من المدربين الوطنيين كمساعدين؟ إذ يبدو لي أن المدرب الوطني لا يزال أمامه الكثير، وبذلك نضمن تطوير أداء اللاعبين، وإكساب المدربين الوطنيين المزيد من الخبرة التي سنجني أثرها في المستقبل، وبالتالي تصبح منتخباتنا في ورش عمل فنية يديرها ريكارد ونقطف ثمارها في المنتخب الأول.