جاء اليوم الذي سيحاسب فيه شعوب العالم دولة الاحتلال الإسرائيلي على تهويدها للمدينة المقدسة والتي مر على احتلالها أربعة عقود ونصف العقد وهي تئن وتشكو من التهويد ولا تجد من ينصرها ويرفع ظلم الاحتلال عنها وكأنها المدينة المقدسة لا تهم العرب والمسلمين والمسيحيين. فالقدس أصبحت شبه مهودة بل تغيرت معالمها تماما ولا يبقى فيها إلا القليل القليل من ذكرياتها العربية الأصيلة، حيث تتعدد وسائل وأدوات الاحتلال الإسرائيلي في إضفاء الطابع اليهودي في كافة المعالم والمقدسات والرموز الإسلامية في القدسالمحتلة، عبر تهويد مسمياتها وقلب حقائقها وتزوير تاريخها وحاضرها كإنشاء حدائق ومراكز توراتية تلمودية، وزرع قبور يهودية وهمية، وتغير أسماء الشوارع والبلدات من العربية إلى اليهودية، وحفر الأنفاق وسرقة الآثار والأحجار ونسبها إلى اليهودية، وبناء جدار الفصل العنصري وطرد المقدسيين وتهجيرهم من المدينة بعد الاستيلاء على ممتلكاتهم، في سبيل تذويب الوجود الفلسطيني بزيه الإسلامي والمسيحي من المدينة المقدسة، وجعلها مدينة يهودية بحتة دون أن يكون هناك أدنى تحرك فلسطيني أو عربي أو إسلامي. لكن هذه المخططات الإسرائيلية في القدس لم يسكت عليها شعوب العالم ولم يتركها كالماضي تمر مر الكرام، وكلها أصبحت مكشوفة لجميع شعوب العالم التي خرجت في وقت واحد ويوم واحد وبصوت واحد لتفضح المخططات الإسرائيلية في المدينة المقدسة لتقول "شعوب العالم تريد تحرير القدس وفلسطين". ورغم سلمية هذه الانتفاضة العالمية إلا أنها أرادت إرسال رسالة عاجلة للكيان الإسرائيلي، أن شعوب العالم ترفض تهويد القدس، لأنها ليس مدينة يهودية ولم يثبت صحة الملكية اليهودية عليها لأي دليل تاريخي ولا ديني ولا سياسي لا قديما ولا حديثا. أن شعوب العالم رائدة التغير خرجت عن روتين الصمت والخوف التي كانت تعايشه في الماضي، كما أنها لم تعد تسكت عن جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني المظلوم والمسلوبة أرضه وحقوقه ومقدساته، حتى أن شعوب العالم انفجرت مرة واحدة وبدون معاد من كثرة ما يمارس عليها إعلاميا من أساليب كذب وتضليل وتغير الحقائق من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وها هي تنتفض من كافة قارات العالم الخمس وتقطع المسافات الطويلة والقصيرة بالطائرات والعربات والسيارات والبواخر وسيرا على الأقدام وتكسر الحواجز والأسلاك الشائكة وتخترق الجدران وتجتاز الحدود والسدود والبحار والمحيطات وتكابد وتعاني وتجهد نفسها وتسخر أموالها وتفدي أرواحها وتتحدى نار وجبروت المحتل من اجل القدس والأقصى وفلسطين. نعم إن يوم 30 من آذار أصبح لدينا يوم نفتخر فيه ونعتز به لوقوف وتضامن جميع شعوب العالم معنا ومع قدسنا الأسير، بعد أن كان الشعب الفلسطيني في السابق لم يجد من ينصره ويقف بجواره ويترك لوحده في مثل هذا اليوم في مواجهة آلة البطش الاحتلالية. فدولة الاحتلال لم يمر عليها يوم أسوأ من مثل هذا اليوم الكابوسي في تاريخها والتي أصبحت تحسب له ألف حساب وتعد له العدة جيدا في كل عام، حيث استنفرت جيشها ونشرته على طول حدودها مع جميع دول الطوق المنتفضة وأعلنت حالة التأهب القصوى في صفوفه كما أعلنت حالة الطوارئ العامة في الداخل وحزرت رعاياها في جميع دول العالم اخذ الحيطة والحظر بل أمرت اغلبهم بعدم التوجه إلى بعض البلدان حتى البلدان التي ترتبط معها بعلاقات حميمة، خوفا من موجة الغضب الشعبية التي تعم تلك البلدان حرقة على القدس. فهذا الإرباك الذي أحدثه ربيع القدس العالمي لدولة الاحتلال قد حصرها في زاوية العزلة الدولية وحاصرها من كل اتجاه وانزل عليها عقابا نفسيا ومعنويا قاسيا ولقنها درسا لم تنسه أبدا بتوجيهه لها رسالة عالمية بان الاحتلال مهما طال لابد من إزالته والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وان القدس ستبقى مدينة فلسطينية تحمل اسم العرب والمسلمين والمسيحيين ولا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها. لقد استطاع ربيع القدس العالمي تحويل قوة دولة الاحتلال وسطوتها وعنفها وجبروتها وقمعها ونيرانها من مواجهة الفلسطينيين فقط إلى مواجهة شعوب العالم التي جاءت وجندت نفسها لتحرير القدس والشعب الفلسطيني من الاحتلال.