انتقل إلى رحمة الله الشاعر السوداني محمد الحسن حسن سالم (حميد) إثر حادث سير على طريق شريان الشمال صباح الثلاثاء العشرين من مارس من عام 2012م. وكان الشاعر في طريقه من نوري بالولاية الشمالية إلى الخرطوم، ونقل جثمان الشاعر حميد إلى مشرحة مستشفى أمبدة في أم درمان وشيعته جموع غفيرة إلى مقابر البنداري بضاحية الحاج يوسف شرقي الخرطوم ووقع الحادث عند الكيلو 167 في الطريق القومي "شريان الشمال" وكان الشاعر في طريقه إلى العاصمة السودانية للمشاركة في احتفالات شركة "زين" للاتصالات بعيد الأم وتدشين ديوان "بحر المودة" للشاعر السر عثمان الطيب. وعرف الشاعر حميد بقصائده التي طوع من خلالها العامية السودانية، متناولاً عبرها مواضيع السلام والحكم والبسطاء وتغنى له العديد من الفنانين أبرزهم الراحل مصطفى سيد أحمد، بجانب فناني الطمبور صديق أحمد وميرغني النجار ومحمد جبارة ومحمد النصري. والشاعر محمد الحسن حسن سالم من مواليد قرية نوري بالولاية الشمالية عام 1956م وتلقى تعليمه الأولي والأوسط بنوري، والثانوي بمدرسة عطبرة الشعبية الثانوية، وعمل في هيئة الموانىء البحرية منذ عام 1978 م حتى 1992 م متنقلاً بين الخرطوم وبورتسودان كما أمضى سنوات من عمره بمكة المكرمة. ولحميد عدة دواوين ومن أشهر قصائده "نورة" و"أرضاً سلاح" و"عم عبدالرحيم" و"عمنا الحاج ودعجبنا" و"ياتو وطن" و"من حقي أغني" و"الضو وجهجهة التساب" و"لبن الطيور". يقول الكاتب هشام عباس عمر: والشعر فى السودان اخذ موقعا كبيرا فى خارطة الابداع مارا بكل المنحنيات ارتفاعا وانخفاضا كما فى حولنا لنجد منتوجا نطرب له كل حين.. وما يميز الاستاذ حميد انه يفرغ بساطته فى شعره فتشم فيه رائحة الانتماء ونفس بيئتك ورغم ان كثيرين تناولوا الشعر بالعامية البسيطة كالقدال وغيره إلا أن حميد يختلف عن الكل فى تطويع الكلمة ولجم المعنى والتحكم الشديد فى سلاسة القصيد.. ويكفى أن قصيدة عم عبد الرحيم هي التي توجت الرائع مصطفى سيد احمد كرائد من رواد الاغنية فى السودان. فبقدر ما فى القصيدة من ابداع وروعة تجد ذات القدر من البساطة التى تزيدها ألقا حيث يجد المتلقي مهما كان مقدار ثقافته وعلمه يجد نفسه يلم بكل مافيها..وقد تجد انه استخدم كلمات لو ذكرت عرضا تنفر منها الأذن ولكنك تطرب لها عند حميد (الحمار، النعال)وغيرها.. ويميز قصائد حميد اكثر انه يكتب من حيث هو الانسان القروي البسيط وفى شكل مسرحي تعيش كمتلقى كل تفاصيل الشعر بخيالك وكأنك تعيشها اللحظة....حتى فى اختياراته لعنوان شعره تجد البساطة (عم عبد الرحيم -ست الدار - السرة بت عوض الكريم وغيرها) إن لم تجدها بذات الاسماء فى مجتمعك تجد ذات الشخوص تتحرك فى داخله مما يزيد من عامل الجذب... قعدت على طرف العنيقريب.. المحازى الواطة ضايرت التراب.. كسر العويش الفوقو شالت باصبعا.. وشختت شخيت الله يارب. ثم ست الدار ورسائلها المتبادلة مع زوجها الزين ود حامد ذات الفصول المسرحية التى تدور فى كل بيت يجسد فيها حميد كل ابداعه... والمتبحر فى شعر حميد يلاحظ ببساطة انه لم يغلق ذاته فى نفس البحر، التفاصيل الاجتماعية البسيطة ، بل ان شعره يتحرك فى كل الاتجاهات يحمل ذات الابداع والتجويد معاصرا لكل الاحداث و(حجر الدغيش) خير مثال فما ان اندلعت انتفاضة الاقصى الاخيرة إلا وقريحة حميد هناك تصدح.... ولم ينسى حميد اللون الآخر من الشعر حتى لا يقال إن شعره منلوجي بحت فتناول بالفصحى كل القضايا وبذات الابداع كأن هناك تعاقد بينهما... جانب آخر في حميد أنه يجسد مقولة عن المثقف ضد السلطة دوما فمرت حياته السياسية بعدة مراحل اكثرها كانت قاسية وكأن الابداع حقا ولده القهر.. ومن قصيدة السرة بت عوض الكريم نكتفي بهذه المقاطع. قالت: تصدقوا آولاد... بقيت أبيت الليل أفكر... في التميرات القدر.... فوق راسا ما شالت سبيط عليها الجرورة الفوق ضهرنا تنزلا تطلق ضهرنا مع الجماعة شن دهانا ؟ دي كم سنة ؟ والحال وقف جف وحلف ما فيهو من نقاط بسيط ويقول في قصيدة الجابرية وهي قرية سودانية يصف فيها زيارة الحاكم وأماني الأهالي التي لا تتحقق: الجابرية كان ضحوية وكنّا نسنّد في المحروت فجأة يدوي مكبر صوت قال الريس مار بي فوقنا من شغلتنا قلعنا عروقنا إن شغلتنا بلا ماروقنا فكّينالو حبل واسوقنا وإنماسكنا يطمّن روقنا قمنا جميع الحلة مرقنا البيشوفنا يقول وا شوقنا كان ضحوية وكانت عين الشمش قوية وكان الريس في عربية واقف طولو تحت شمسية هللنالو وهلجنالو.. ولوحنالن بالطورية فرّ عبايتو وهزّ عصايتو وهزّو بنادقن الضابطية صفقنالن صفقة قوية زغردنالن.. وهّدن عندنا خمسة دقائق قدمنالو كتاب الله درقة وسيف.. تبروقة هدية قفة تمودة.. وفاس دهبية وكنا قبل بيّتنا النية وبين بنتين علّينا اليافطة اليافطة ام زيق الدمورية وانعبينا هتافاً واحد: (الجابرية تحي الثورة دايرين بوسطة ومدرسة وسطى والشفخانة وسوق منضبطة) ويقول في قصيدة مناقيش العدالة: من دواية الصَبر نكتب فينا والإصرار يملِّي تنعدِمْ موية وضونا.. بيها نتيمم نصلِّي الزّمَن ينقُض وضونا.. تاني نتوضأ ونصلِّي ونمشي فوق دربِكْ نباصِرْ.. في الرِّمال والشّوك نحاصِرْ بي شُعَاع بكرة المسافة.. وسطوة اللّيل والعَسَاكِرْ ؟؟ تنهزِمْ ريح العوارِضْ.. رحم الله أروع شعراء العامية السودانية الشاعر الكبير/محمد الحسن سالم والهم اهله وذووه وجمهوره على امتداد الوطن العربي، الصبر والاحتساب (إنالله وإنا إليه رجعون).