إعلان "إسرائيل" ضخ نصف مليار شيكل لميزانية الاستيطان في القدسالمحتلة في ظل زيارة رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية لها، يذكّرنا بما حصل العام الماضي عندما أعلنت "إسرائيل" عن بناء حي جديد في المدينة أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني. في الحالة الأولى، تظاهرت أمريكا بالغضب اللفظي، فيما مضى القرار "الإسرائيلي" في طريقه مع ذوبان "الغضب" الأمريكي. هذه المرة لا غضب ولو حتى على سبيل التظاهر، ربما لأن الأمريكيين أرادوا إظهار أن الزيارة هدفها تنسيق المواقف بشأن إيران، وربما تنسيق الخطط، باعتبار أن الزائر عسكري بامتياز. كان يمكن ل"إسرائيل" أن تمرر القرار في أروقة أصحاب القرار بلا إعلان، لكن في الإعلان رسالة واضحة وصارخة متعددة الجهات، فهي للفلسطينيين تقول إن الاستيطان في القدس وبقية الضفة الغربية لا علاقة له بمفاوضات عمان التي خضع الجانب الفلسطيني لها، وربما دُفع إليها من جانب بعض الجهات، فيما الدفع باتجاه المصالحة الداخلية يشبه دوران العجلات في الرمال، ما إن تنتعش آمال الفلسطينيين بقرب المصالحة حتى تُطأطَأ الرؤوس مجدداً عندما تعود المناكفات بين القادة والفصائل سيّدة للمشهد، ليبقى الشعب والقضية والمقدّسات رهن الأمزجة والحسابات الضيّقة. للأمريكيين تكرر "إسرائيل" القول إن عليكم التعايش مع واقع اسمه الاستيطان حتى عندما يكون مسؤولوكم "هنا"، وللاتحاد الأوروبي الذي أصدر قبل أيام تقريراً حذّر فيه من تسارع الاستيطان والتهويد في القدس وبقية الضفة، تريد "إسرائيل" أن تقول: "انقعوا تقريركم واشربوا ماءه"، ولما يسمى المجتمع الدولي عموماً تسعى للقول بفوقية وتبجّح: إلعبوا في أي مكان إلا عندنا. الدول العربية؟، لا أحد يساوره اعتقاد أن كياناً خبرها طيلة ستة عقود وجرّب ردود أفعالها الصفرية، وطرب لتناغم بعضها معه، بحاجة لأن يقول شيئاً. بمعزل عن القرار المتزامن مع زيارة أعلى مسؤول عسكري أمريكي، فإن تقريراً فلسطينياً صادراً عن "المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان" يؤكد أن الاحتلال صعّد نشاطه الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ بداية هذا العام. آلاف الوحدات الاستيطانية يجري بناؤها في الضفة، وبخاصة في منطقة القدس والمزيد من المخططات وعمليات سرقة الأراضي تتسارع على قدم وساق. البعض يقول إن "إسرائيل" في سباق مع الزمن، لكنها إن كانت تسابق أحداً أو شيئاً، فلا أحد ولا شيء سوى نفسها، ذلك أن الواقع العربي رأساً وجسداً لا ينبئ في مداه المنظور بما يضع "إسرائيل" في موقع من يخشى دفع الثمن لجرائمه وانتهاكه كل القوانين والأعراف الدولية، ولتجاوزه الحدود المعتادة للصلف والتعالي والغرور. لا نسمع اسم القدس، لا على لسان عربي مختبئ خلف شفتين ترتجفان أو تأكلان أو تشتمان شقيقاً أو صديقاً وتتملقان لعدو، ولا على لسان يهتف في كل الاتجاهات إلا فلسطينوالقدس! والأنكى من ذلك أن أصواتاً بدأت ترتفع بالاتجاه المعاكس باسم الواقعية التي كانت في الماضي "كفراً" حين يتعلّق الأمر بفلسطين كأرض وقف. القدس، بل فلسطين كلها تستباح، من دون أن يعرف العرب والمسلمون أنها ستكون عتبة لاستباحة أرضهم وعرضهم ومستقبل أجيالهم إذا واصلوا دفن رؤوسهم في الرمال. لا تطلب القدس من فرسان الكلام مزيداً من الاستمارات التي تسمى بيانات، فإذا كانت حكومة الكيان وأثرياء الصهاينة في العالم يموّلون الاستيطان والتهويد، فإن كل طفل عربي يسأل العرب: في أي اتجاه تموّلون؟!.