رغم مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة برفض التوسع الإسرائيلي الاستيطاني في الضفة الغربيةوالقدس العربية الذي تضاعف -على عكس ما كان يفترض- بعد مؤتمر مدريد للسلام واتفاقيتي أوسلو الأولى والثانية، إلا أن واشنطن ظلت تغض الطرف على مدى تلك السنوات العشرين عن هذا التوسع الاستيطاني المحموم دون أي إجراء عملي لوقف ذلك السرطان الاستيطاني الذي يتعارض كلية مع رؤيتها لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. تتمثل المفارقة هنا في تعبير تلك الإدارات المتعاقبة عن عدم اعترافها بضم القدس في الوقت الذي ظل فيه الكونجرس يحرص على طرح مشروع نقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة منذ العام 1995. المفارقة الأخرى تتمثل في أنه رغم أن الأمريكيين لا يعترفون بضم القدس، إلا أنهم ينقلون مقر إقامة بعض دبلوماسييهم إليها بين الحين والآخر. موقف واشنطن بهذا المعنى يعكس مرة أخرى تناقضًا صارخًا في السياسة الأمريكية تجاه قضية النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني ويخل بشروط ومتطلبات الوسيط النزيه الذي يفترض فيه النزاهة والحيدة والضغط على طرفي النزاع بنفس القدر كلما حدثت خروقات أو تجاوزات لأطر العملية السلمية ومرجعياتها بدءًا من مبدأ الأرض مقابل السلام وحتى خريطة الطريق ومفاهمات أنابوليس. لا شك أن غضبة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي على إثر إعلان وزير الداخلية الإسرائيلي عن بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القدس العربية أثناء زيارته لإسرائيل عبر بيانه المكتوب بإدانة هذه الخطوة وتعمد تأخره عن حفل العشاء الذي أعده نتنياهو له لمدة 90 دقيقة، موقف يستحق الإشادة كونها الأولى من نوعها منذ أن استخدمت واشنطن سلاح المعونات المالية في الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان في عهد الرئيس جورج بوش الأب ، لكن ينبغي التذكير بأن التعبير اللغوي عن الغضب شيء واتخاذ اجراءات عقابية لاحقة شيء آخر، فما نريده من بايدن وادارة اوباما ليس الادانة اللغوية مهما بلغت شدتها وانما التمسك بضرورة الغاء القرار الاسرائيلي بالبناء في القدس هذا هو المحك الحقيقي لجدية الموقف الامريكي من عدمه. العرب مطالبون اليوم باتخاذ موقف يتجاوز رفض المفاوضات غير المباشرة ويرقى إلى مستوى العمل الدبلوماسي المؤثر الذي يضمن تطوير الموقف الأمريكي في اتجاه الدفع نحو ترجمة تلك الغضبة إلى إجراءات عملية لوقف الاستخفاف الإسرائيلي بعملية السلام وبالمجتمع الدولي.