" انثيال الذاكرة .. هذا ما حصل " شهادة شخصية لما جرى على مدار أربعة عقود من التاريخ الفلسطيني يقدمها الكاتب فتحي البس في كتاب يقع في 351 صفحة من القطع الصغير احتفل الليلة الماضية في رام الله باطلاقه . وقال البس صاحب دار الشروق للنشر والتوزيع في الأردن ورام الله في حفل التوقيع على كتابه " كتبت بصدق الانسان الذي طالما يؤمن بأن الماضي المبعثر قطعة من مستقبلنا واننا في النهاية محصلة كل ثانية من عمرنا ... حكاية الانثيال بدأت بالصدفة ." وينطلق البس 58" عاما " في كتابه في الحديث عن بدايات النكبة التي عاش طفولته بعدها متنقلا من مخيم الى اخر وما جرى بين النكبة والنكسة مواصلة اللجوء والتشرد من مخيمات في الضفة الغربية الى اخرى في الاردن . ويبدأ الكاتب بتعريف نفسه " ولدت في خيمة في مخيم الفوار عام 1951 بعد ان سقط جيب الفالوجة بالسلم وليس بالحرب ... انتقلت عائلتي من مخيم الفوار الذي لا اعرفه ولم ازره حتى اللحظة الى مخيم العروب ثم انتقلت الى مخيم عقبة جبر ." ويصف الحياة في المخيم " تبدو الصور والاحداث واضحة في عقبة جبر حيث كانت المشكلة الرئيسية فيه هي العقارب والافاعي ... جاءت حرب اخرى تشردنا مرة اخرى الى مخيمات اخرى في الضفة الشرقية " الاردن "." ويتناول الكتاب احداثا تاريخية مفصلية في حياة الشعب الفلسطيني ويعطي مساحة واسعة لتجربة الدراسة في الجامعة الامريكية في بيروت حيث درس هناك في نهاية الستينات وبداية السبعينات مقدما تفصيلا واسعا حول تلك المرحلة وما شهدته من اضطرابات وما آلت اليه من نتائج . ويخصص البس مساحة للحديث عن " ايلول الاسود " ويقول " تلقيت ايجازا عن الوضع في الاردن " بعد عودته من بيروت حيث كان يدرس ".. توتر مستمر واشتباكات لا تنقطع بين الفدائيين والجيش الاردني ... عقدت اتفاقات كثيرة لا تنفذ ." ويضيف " في صبيحة 16 ايلول "1970" وحسب رواية الثورة ان الجيش الاردني بدأ هجوما شاملا على كل قواعد الثورة والمخيمات . بدا الامر كانه استباق للاضراب المفتوح ." وفي حفل التوقيع قال الكاتب الفلسطيني ووزير الثقافة الفلسطيني الاسبق يحيى يخلف " يحق لنا ان نحتفي بهذا الكتاب الذي فاجأنا به الصديق والكاتب والناشر والانسان فتحي البس . كتاب ممتع .. قصة كفاح بدأت مع نكبة 1948 وشهادة على تجارب شخصية وعامة أبرزها تسجيل تجربة مهمة من تجارب الحركة الطلابية في مرحلة من مراحل النهوض ." ويرى يخلف في الكتاب " عملية سرد ممتعة وانسانية وشفافة ترصد بدقة وأمانة تجربة طلابية تتسم بالغنى لم يسبق ان سجلت او وثقت لذلك . جاء تسجليها وتوثيقها على الرغم من الكثير من الملاحظات عملا هاما يستحق التقدير ويغري بالبحث والتأمل ." وكتب الكاتب اللبناني المعروف الياس خوري مقالا حول الكتاب وزع خلال الحفل ونشر في الصحافة وقت سابق " فعلها فتحي البس وكتب حكاية جيل الحلم والخيبة الذي رسم وجه بيروت قبل ان تذهب المدينة الى قدرها المأساوي في كتابه " انثيال الذاكرة "... نقرأ حكاية ابن المخيم الذي جاء بيروت تلميذا ... وعاش ضخب التحولات الكبرى في سبعينات القرن الماضي وشارك في تجربة الكتيبة الطلابية وفي اضراب الجامعة الامريكية الكبير عام ." 1974 ويلخص خوري في مقاله ما حدث في هذا الاضراب الذي يتناوله الكتاب بالتفصيل " الاضراب الذي ادى الى احتلال مباني الجامعة بقيادة مجلس طلبة كان على راسه محمد مطر وصل الى طريق مسدود اذ تم اجتياح المباني من قبل قوى الامن اللبنانية وادخل الطلبة الى السجن بعد طردهم من الجامعة ." وكان فتحي البس احد الطلبة الذين طردوا . ويضيف خوري " اعادنا في مذكراته الى افق البداية واحلامها واوهامها محولا الذاكرة عطرا مبللا بالدموع والحنين مستعيدا حكاية يمتزج فيها الشخصي بالعام حيث تشكل فلسطين ارض الذاكرة ولغتها ... يفتح الكتاب شهيتنا الى المزيد على المستويين الشخصي والعام ." ويختتم البس كتابه الذي قسمه الى 69 عنوانا بموضوع " قهرتني الايام .. لكنها لم تهزمني بعد " وذلك عند حديثه عن رحلة العودة الى ارض الوطن وافتتاحه دار الشروق للنشر والتوزيع في رام الله لتشكل احد المعالم الثقافية للمدينة .