ظهر مأزق إسرائيل الاستراتيجي بوضوح بعد حرب تموز/2006، وتعزز وضوحه في حرب الكوانين على غزة، 2009/2008. فشلت إسرائيل في جنوب لبنان على الرغم من أن الحرب استمرت ثلاثة وثلاثين يوما، ولم تحقق أهدافها السياسية في غزة على الرغم من استمرار الحرب مدة ثلاثة وعشرين يوما. جيش إسرائيل لم يعد قادرا على حسم المعارك، ولم يعد قادرا على تنفيذ التهديد الذي يطلقه قادة الصهاينة السياسيين ضد هذه الجهة أو تلك.لقد وجدت إسرائيل نفسها أمام مأزق استراتيجي كبير بحيث أنها لم تعد تهيمن تماما على المنطقة، ولا تستطيع أن تشن حربا في أي وقت تشاء، ولم تعد هي بمنآى عن صواريخ الطرف الآخر.لقد تصدعت نظريتها الأمنية التقليدية، وأصبح لزاما عليها أن تطورها بطريقة تتناسب مع الأوضاع المستجدة. لكنها تدرك أيضا ان الطرف المقابل ليس غافلا، وهو يعمل ليل نهار على تطوير قدراته العسكرية وتكتيكاته، ويطور رؤاه الأمنية والعسكرية والاستراتيجية. أضاف شعب مصر بثورته بعدا استراتيجيا جديدا للقوى العربية والإسلامية التي تواجه إسرائيل. الثورة المصرية بحد ذاتها تعبر عن إرادة عربية مصرية حرة. ويكفي أنها خلعت أكثر نظام عربي ملتزم بالأمن والمصالح الإسرائيلية. لكن شعب مصر لم يتوقف فيما يتعلق بإسرئيل عند حد التحرر من التزامات مصر تجاه إسرائيل، وإنما يصر على خلع إسرائيل من أرض الكنانة، واستعادة سيناء لتصبح جزءا لا يتجزأ من السيادة المصرية الكاملة. ما قام به شعب مصر في الأيام الأخيرة من السيطرة على سفارة الصهاينة في مصر يعبر عن هذه الإرادة المصرية الصلبة التي لا تهون ولا تذل. وقد صدق شعب مصر موقفه من الصلح مع إسرائيل وإقامة علاقات اعتيادية معها. شكك كثيرون عبر ثلاثين عاما بإرادة شعب مصر، وبموقفه من إسرائيل، لكن الشعب أتاهم بالخبر اليقين. تدرك إسرائيل أن المسألة ليست فقط سيطرة على سفارة وطرد سفير، وإنما تتعلق بتغيير جذري في السياسة المصرية تجاهها وتجاه أعمال المقاومة والعلاقات مع الدول الغربية عموما. أي أن المسألة ستمتد إلى إعادة بناء الجيش المصري، والإصرار على دخول سيناء عسكريا وحتى الحدود الافتراضية بين مصر وفلسطين، وإعادة تقييم العلاقات الإقليمية والدولية. وتدرك إسرائيل أن جبهة مغلقة، بل حليفة قد أغلقت، وأنها ستتحول تدريجيا إلى جبهة مفتوحة ضدها سواء من خلال أعمال مقاومة سرية تنطلق من سيناء، أو دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، أو في مواجهة مباشرة مع الجيش المصري.