لم تزل جمهورية مصر العربية الشقيقة و منذ رحيل الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك و نظامه عن سدة الحكم في أرض الكنانة تستعيد دورها الريادي في المنطقة بعد انقشاع حقبة مظلمة من تاريخ مصر العظيم استشرى فيها الفساد و الاستبداد في الداخل المصري كما و ساد فيها اختطاف سياسة مصر الخارجية لصالح الدولة العبرية و غيرها من الدول و شبه الانزواء الكلي للدور المصري بالنسبة للقضية الفلسطينية اللهم إلا ما كان يتوافق مع إملاءات حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة بما في ذلك إنحدار النظام المصري البائد للمساهمة الفاعلة في حصار شعب مسلم شقيق بأكمله في قطاع صغير من الأرض بزعم محاربة الإرهاب ممثلاً في حكومة حماس المنتخبة التي لم ترق لصناع القرار الصهاينة ، و دون أي إعتبار لرفض الشعب المصري الأبي لذلك الحصار الجائر و لا الالتفات لأدنى الإعتبارات الإنسانية ناهيك عن روابط الدين و اللغة و العرق و الجوار و المصير المشترك. و قد حملت أحداث الأسبوع الماضي في طياتها حدثين بالغي الأهمية ففيها من الدلائل و المؤشرات على التوجهات المصرية الصحيحة نحو إستعادة الشقيقة مصر لدورها الريادي ما فيها. أولهما المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية بين حماس و فتح برعاية مصرية كريمة و توافق الطرفين على تشكيل حكومة مؤقتة لحين إجراء إنتخابات رئاسية و برلمانية بعد عام من الآن ، و ما كان لتلك المصالحة أن تكون لولا وقوف الحكومة المصرية الحالية مشكورة على نفس المسافة من الفرقاء و ممارسة دور الوسيط النزيه ، إضافة إلى علم السلطة الفلسطينية علم اليقين بإن مصر الجديدة لم تعد تشكل غطاءً سياسياً محابياً كما كانت في الماضي القريب. هذا التقارب و التصالح الفلسطيني أزعج بالطبع الخاسر الأكبر منه الدولة العبرية مما ألجأ رئيس وزرائها نتنياهو إلى توجيه التهديد «لشريك السلام» محمود عباس بأن عليه أن يختار بين صنع السلام مع إسرائيل ( التي لا تسالم أحداً ) أو مع حماس التي لا تعترف بإسرائيل و لا تتنازل عن خيار المقاومة. و ثانيهما يحمل دلالات قوية على توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية و أخذها منعطفاً تصعيدياً غير مسبوق على مدى عقود مضت من خلال تجاذب عدد من الملفات من بينها ملف تزويد مصر لإسرائيل بالغاز المصري الذي تستخدمه إسرائيل في توليد 40% من إحتياجاتها من الطاقة الكهربائية ، و تشتريه من مصر بربع السعر العالمي بينما كان المواطن المصري يدفع كامل التسعيرة العالمية. و يشكل تفجير خط أنبوب الغاز المصري – الإسرائيلي – الأردني المظهر العنيف لرفض المصريين لإتفاقية بيع الغاز لإسرائيل الموقعة عام 2005 م و بدأ ضخ الغاز من خلال خط الأنابيب المعني عام 2008 م و لم يتوقف حتى أثناء الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد أهالي غزة العزّل نهاية 2008 و بداية 2009 م ، فهذه هي المرة الثانية خلال الثلاثة أشهر الأخيرة التي يقوم فيها مجهولون بتفجير أنبوب الغاز و على الرغم من أن الحكومة المصرية الحالية نسبت التفجيرات إلى جهات تخريبية يعتقد أنها من بدو سيناء المعارضين لمرور الأنبوب لأسباب عدة ، إلا الحكومة المصرية المؤقتة تعترف بالرفض و الغضب الشعبي العارم و العام لتوقيع الإتفاقية المشار إليها و التي فرضها نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك على مصر و شعبها و التي تتسبب في خسائر مالية لمصر تصل إلى 3 مليارات دولار سنوياً من أجل سواد عيني الجارة العبرية و التي يمكن أن تكون رافداً من روافد التنمية المصرية ، و أدت إلى مساءلة الرئيس المخلوع و 6 من مساعديه السابقين عن الصفقة من قبل القضاء المصري. البدائل أمام إسرائيل لتعويض هذه الخسارة التي يبدو أنها لن تعوض و لن يعود الأنبوب لضخ الغاز المصري في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي هي الإعتماد على الذات. و ذلك يعني تطوير حقول الغاز البحرية قبالة سواحل غزة الفلسطينية و قبالة السواحل اللبنانية و هي حقول أقل ما يقال عنها أنها خلافية و يعني تطويرها الدخول في متاهات سياسية ، مما يعني أن أحد تداعيات زوال النظام المصري السابق على إسرائيل أن ينتهي شهر العسل الإسرائيلي في الحصول على الغاز الطبيعي بأزهد الأثمان ، و أن تتعايش الدولة العبرية مع الواقع الاقتصادي الجديد كبقية دول العالم. مسيرة مصر نحو إسترداد مكانتها السالفة لم يعجب البقية الباقية من فلول الفساد و الإستبداد العالمي فقد أصبحت مصر الثورة ترى أنه و طبقاً للقراءة المصرية الجديدة لكامب ديفيد فأن غزة مصنفة على أنها منطقة «د» لايجوز لاسرائيل تحريك قواتها فيها و إن أقدمت اسرائيل على شيء من هذا القبيل فإن الجيش المصري يكون حرا في إعادة الانتشار في سيناء ، مما أثار بالطبع حفيظة إسرائيل التي وصل بها الأمر إلى اتهام وزارة الخارجية المصرية بمعاداة السامية و باتخاذ مواقف متطرفة تجاه الدولة العبرية مشيرة إلى أن «السلام» بين البلدين قد أصبح في خطر ، كما جاء الموقف المصري مؤيداً و بكل وضوح لأمن و استقرار دول الخليج و عروبتها ومرحبا بالتدخل الخليجي لإعادة الاستقرار للبحرين ، و من هنا يمكن فهم تطلع الشعوب العربية لتكرار التجربة المصرية في اليمن و ليبيا و سوريا لتعود جميعها تصب في مصلحة الأمة العربية و الإسلامية ، كما و يفهم من ذلك المواقف الغريبة للدول الغربية من الثورات العربية التي تقدم في حين رجلا و تؤخر في أحيان أخرى كما هو حاصل في ليبيا مثلاً. لكن حكمة الله أقتضت أن ينتظر الأمة فجر أمجاد جديد كانت فيه الثورة المصرية هي النموذج المحتذى ، و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون.