فقدت مؤخراً الكثير من الزملاء والمعارف – رحمة الله عليهم جميعاً – منهم من اقتربتُ منه بحكم عملي في الإذاعة والتلفزيون ومنهم من لم يسعفني الوقت للاقتراب منه لأن رحلته في سفينة الحياة قد وصلت إلى محطتها الأخيرة! في الماضي لم يكن الموت شيئاً مخيفاً بالنسبة لي، لكن الأمر اختلف معي الآن ، ربما السبب يكمن في أن وعيَ الإنسان يزداد يوماً بعد يوم ويدرك مسؤولياتِه أمام نفسه وأمام الله سبحانه وتعالى، وحين يصل إلى مسامعه خبر وفاة أحدهم يتساءل إن كان مستعداً للوقوف يوم الحساب وهل تقبَّل الله منه جميع أعماله، وهل ياترى غُفِرَت زلاتُه في رمضان وعُتِقت رقبته من النار؟ وهل سيَنعمُ بالجنة ويلتقي بالحبيب محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل سامحه فلان على ما اقترفه في حقه؟ وماذا لو لم يكن الأمر كما تصور..؟! وبالرغم من إيماني العميق بأن حياة كل إنسان ستنتهي في اليوم واللحظة التي أرادها الخالق عز وجلّ، إلا أن ذلك لا يمنع الحزن من أن يسكن قلبي على كل من فارق الحياة ولو لساعات قليلة، فيكفي أن أتصور حال أهل بيته بعد فراقه، واستشعر عِظَمَ مصابهم والفراغ الذي تركه لهم المُتوفَّى، والصراع الذي سيعيشونه في الفترة الأولى للتأقلم مع هذا الواقع المؤلم. صحيح أنه وضع صعب رغم واقعيته إلا أن الأصعب باعتقادي هو وجود من هم على وجه هذه الأرض من الذين ينعَمون بالحياة، لكن قلوبهم ميْتَة ! فالحياة ليست قلباً ينبض وجسداً يركض فحسب، بل هي مواقف وعِبَرْ.. اختبارات ونتائج.. نِعَمٌ ونِقَمْ. وليس من المنطقيّ أن نسمحَ لقلوبنا أن تقسوَ لتفقد الإحساس ومن ثم تموت بسبب خسارة مالية أو طمعٍ في منصب أو حزن على قريب أو فشلٍ عابر، وليس من العدل أن يُنعِم الله علينا بالكثير ونبخل به على أنفسنا! أخيراً أقول: ربما نعتقد أننا نكره الموت، لكن الحقيقة أننا لا نفعل فهو قدر! نحن نبغض ما ينتابنا من مشاعر الألم والحسرة والفَقْد، فالموت كما يقول الشيخ العالم "سعيد النورسي" ماهو إلا خروج من قضبان سجن الدنيا المظلم الضيق المضطرب، ودخول في رعاية المحبوب الباقي وفي كنف رحمته الواسعة، وهو تنعُّم بحياة فسيحة خالدة مستنيرة لا يزعجها خوف، ولا يكدّرها حزن ولا همّ. كاتبة ومذيعة [email protected]