خلافا للاعصار الامريكي، فإن الاعصار السياسي عندنا لا يخيب ظن المتشائمين. سلسلة من التطورات، تترابط احيانا علنا واحيانا على نحو خفي، لتكون صورة دولية صعبة بالنسبة لاسرائيل. سلسلة الانباء من اليوم الماضي وقعت على القدس كسرب من الطيور الكاسرة السوداء.الاتراك، المخلصون لصورتهم، يحققون كل تهديداتهم ويدفعون نحو القطع العملي لعلاقاهم مع اسرائيل. الاحساس بالاهانة في اسطنبول يأتي ليقول لحكومة اسرائيل بإنه حتى الاعتبارات الاقتصادية، السياحية، لم تعد تقف في طريق أنقرة. بالتوازي، يتحدث الاتراك الآن علنا عن إمكانية مواجهة جسدية بين الدولتين حول تنقيبات الغاز التي تقوم بها شركات اسرائيلية، وليست لديهم أية مشكلة في أن يهددوا على الطريق عضوا في الاتحاد الاوروبي هو قبرص. هذه الازمة وحدها، مع عضو كبير في حلف الناتو وقوة عظمى اقليمية تكفي بالتأكيد. ومع ذلك فإنها تنضم الى سلسلة طويلة من التطورات، بعضها مثابة حكايات مهينة واخرى كفيلة بان تعتبر تغييرات استراتيجية. ومنها جميعها ترتسم صورة موحدة ومضنية للضعف والتآكل في مكانة اسرائيل. عندما تسرب اقتباسات عن وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس من داخل البيت الابيض، والذي يقول للرئيس اوباما ان بنيامين نتنياهو "ناكر للجميل وخطير على دولة اسرائيل"، فان هذه الاشارة تلتقط في حينا الخطير. الفلسطينيون يفهمون ماذا يعني هذا، وكذا الاتراك والمصريون ايضا. عندما لا تنجح اسرائيل في عرض بديل واضح على المبادرة السياسية الفلسطينية، وعلى سبيل البديل، عندما لا تكون الفرقة الموسيقية الاسرائيلية قادرة على أن تعرض معزوفة في لندن، فإنه يتكون واقع. انطباع متسع بالعزلة. تراجع في قوة اسرائيل الدولية، عصر ضعف.لا معنى للانشغال في الحماسة التركية البائسة جدا او في الخلل الذي وقع في التسريب من البيت الابيض. قد تكون الارضية معوجة والحكم ابن زانية، ولكن الساحة الدولية ليست لعبة. فهي تقدر من يعرفون كيف يخلقون التحالفات ويبثون القوة وتحتقر من يعتبرون سلبيين، اشكاليين وغير مصداقين.في ذاك اليوم الذي أعلنت فيه تركيا عن تخفيض مستوى العلاقات مع اسرائيل وعن العقوبات، أطلقت ايضا بيانا حرجا في أهميته عن نصب منظومات رادار في نطاقها ترمي الى شل قدرات ايران. كان هذا سبيل أنقرة لان تقول لواشنطن واوروبا: نحن لا ننقطع عن الغرب، بل عن اسرائيل فقط. اساسا، كانت هذه سياسة فهيمة (ومحزنة من ناحيتنا). قدرة تركيا على احداث الازمة الحالية كانت محدودة جدا لو كانت اسرائيل والفلسطينيون يوجدون في مفاوضات مكثفة. والعكس ايضا: الولاياتالمتحدة اوباما كانت ستنجح بسهولة أكبر بكثيير في تقليص حجم النشاط الفلسطيني قبيل قرار الاممالمتحدة لو كانت علاقات اسرائيل في المنطقة افضل وأكثر استقرارا. اجمالي الاخفاقات، سوء التفاهم والمواجهات يتراكم في نهاية الامر ليبلغ كتلة حرجة. هذا يبدأ باهانة تعيسة للسفير التركي في أعقاب مسلسل تلفزيوني وينتهي في النهاية بوقف العلاقات الامنية. قد يكون الفلسطينيون مذنبين في عدم استئناف المفاوضات والاتراك – في الحماسة، ولكن بالنسبة لاسرائيل لم تعد المسألة الذنب بل المسؤولية. قادتنا يديرون الان معركة شارع بين اسرائيل والرئيس الامريكي مع معظم الاسرة الدولية. وهكذا تصل اسرائيل الى المواجهة في الاممالمتحدة مع الفلسطينيين: حين يكون اصدقاؤها تعبين من سلوك حكومتها والخصوم يشعرون بالقوة.