برودة قاسية تعتري الكثير من علاقاتنا الإجتماعية بجميع أشكالها، فالشوارع تمتلئ بالمارة لكنها تخلو من الوجوه الباسمة، والمنازل عامرة بالعائلات لكنها تفتقد دفء التعامل الإنساني، وقائمة الأصدقاء في مواقع التواصل تجتاز الآلاف لكنها تكاد تخلو من الصديق الحقيقي! لا أعلم حقيقة من أعطى المبرر لأي إنسان أن يبخل على من حوله بكلمة أو ببسمة أو بلمسة رضا، ومن أعطى الحق للبعض بأن يكون مؤذياً في تعامله برسم "تكشيرة" على وجهه في صباح يوم جديد والتنقل بين الناس عابساً وقتل الأمل في قلب من يراه! هل بدأنا نتحول إلى مجتمع بارد عاطفياً !؟ وهل أصبح الخواء الروحي يهدد علاقاتنا ببعضنا البعض؟ وهل التطور والحياة المدنية تحتم علينا الركض وراء بريق المادة والإنسلاخ عن الفطرة؟ إذن كيف سيسمو الإنسان بعلاقته بربه ويعي الحكمة والهدف الذي خلق من أجله.. ويعمر الأرض؟ لماذا لا نحاول أن نوازن بين ما نريد وما يريده الآخر، وأين ذهبت قيم الوفاء والتضحية والإيثار والتكافل الاجتماعي؟ لماذا نرى الكثير من حولنا مشغول بنفسه ولا يملك وقتاً يمنحه لنا رغم أننا قد نكون أكثر انشغالاً منه؟ ولماذا أصبحت جملة "الدنيا مصالح" تقال بكل وقاحة كمبرر لأي فعل وترافقها بسمة ماكرة وعين تغمز! منذ صغري وأنا أربط البخل لا شعورياً بكل ماهو مادي، فالأب الذي لا يعطي أبناءه مصروفاً كل صباح هو بخيل .. والزوج الذي لا ينفق على منزله ويدلل زوجته هو بخيل .. والمؤسسة التي لا تمنح موظفيها "عيدية" في عيد الفطر هي بخيلة! ولا أعلم لما كان البخل باقٍ في هذه الدائرة المادية بالنسبة لي، لكن وبالرغم من أنه داء خبيث ويؤدي بدوره إلى مالا يحمد عقباه إلا أني أدركت بأن للبخل العاطفي نفس التأثير وربما أعظم ! فمالفائدة أن تعطيني كنوزاً وتبخل علي بإنسانيتك؟ يجب ألا ننسى بأننا بشر .. مهما تطورنا وتغيرت معالم حياتنا ..فسنبقى بشراً نحمل مشاعر فياضة ولن نستطيع الإستغناء عن العلاقات الاجتماعية فنحن بدونها نتحول إلى "روبوتات" تحمل أرواحاً تكاد تكون ميتة، وحاجتنا للإشباع العاطفي لن تنتهي، وبإمكاننا تحقيق ما نريد من نجاحات وطموحات وأحلام دون الإخلال بإنسانيتنا! وكم هو جميل أن نشعر بالدفء العاطفي من والدينا و أصدقائنا و في أي مكان بعيد نذهب للعيش فيه أو لزيارته، وكم سنشعر بالأمان والطمأنينة والاستقرار النفسي حين نعطي دون أن نفكر بما سنأخذ .. لذا أقول أعطني إنسانية ..وخذ ما تريد. *كاتبة إعلامية