يسعى الناقد محمد عجور في كتابه الجديد «الأسلوب السينمائي في البناء الشعري المعاصر» للتأسيس لبلاغة الصورة السينمائية وغزوها للخطاب الشعري في العصر الحديث، مقاربا علاقة الشعر الحديث بالسينما، وبواعث اعتماد الشعراء على التقنيات السينمائية في بناء القصيدة، كالسيناريو وطرائق توظيفه، وآليات اشتغاله في القصائد الحديثة، والمونتاج وكيفية الاستفادة منه في تشكيل القصيدة الحديثة بشكل يعتمد على الصورة المتتابعة في صنع الأحداث. ويقول المؤلف، في مقدمة الكتاب الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، إن الفنون والآداب تتعرض- على اختلاف أنواعها- إلى أشكال من التغيرات والتطور من حين إلى آخر. وقد ظهر واحد من أهم هذه التغيرات في مجال الشعر العربي في فترة الأربعينيات، حين بدأ تيار الشعر الحر يتدفق ثائرا على الشكل الموروث للقصيدة، وذلك بتوظيف عدد من التقنيات التي حاول بها الشعراء أن يتحولوا بالقصيدة العربية إلى آفاق جديدة أكثر رحابة وأعمق تأثيرا. ويوضح أن من التقنيات التي استعان بها هؤلاء الشعراء- في تشكيل شعرهم الجديد - التقنيات السينمائية، لما لها من أثر فعال في إضفاء لون من الدرامية التصويرية، التي تجعل للقصيدة وقعها الخاص وتأثيرها العميق في المتلقي، ومدى استفادة الشعراء منها في تنفيذ بناء القصيدة، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى ظهور ما يسمي بالفيلم الشعري أو السينما الشعرية، وكذلك نشأة القصيدة السينمائية. وفي الفصل الأول من الكتاب، يوضح المؤلف العلاقة بين الشعر والفنون، فيذكر أن الشعر يتفرد بخصائص في بنيته الكلامية، ويتميز بتجسده القولي في تشكيلاته التصويرية. ويؤكد المؤلف في الفصل الثاني أن الخطاب الشعري الحديث يميل إلى توظيف تقنيات عصره، حتي يتسنى له تجسيد الرؤية الشعرية الحديثة، بما فيها من تشابك وتعقيد، لافتا إلى أن لجوء الشاعر إلى هذا البناء الشعري المركب ليس نوعا من الإغراب أو الحذلقة الفنية، وإنما هو استجابة لضرورة التعبير عن الرؤية الحديثة التي لم تعد خيطا شعوريا بسيطا، بل أصبحت جديلة شعورية متماسكة ومتشابكة الخيوط. فهي مزيج من المشاعر والأحاسيس والرؤى المتشابكة؛ ومثل هذه الرؤية تحتاج إلى بناء فني متشابك مثلها. وفي الفصل الثالث - وعنوانه «الشعر الحديث والفن السينمائي»- يشير المؤلف إلى أن هناك اتحادا دائما بين السينما والأدب منذ بداية السينما. ولعل الأعمال الأدبية كانت الزاد الأساسي للسيناريو السينمائي عالميا ومحليا؛ فعلى الصعيد الدولي نجد أن معظم مسرحيات شكسبير قد تحولت إلى أفلام سينمائية، أما محليا فقد اعتمد السيناريو على جهود الروائيين وكتاب المسرحية، وأحيانا كتاب القصة القصيرة؛ فنجد مثلا أن السيناريو السينمائي قام في الأساس على روايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وغيرهم. والتشابه قوي بين الفن السينمائي والفن الشعري، حسب المؤلف، بل الأدب بشكل عام؛ لأنهما يقومان معا على الخطاب البصري، فالقصيدة نتاج أدبي يشبه الفيلم، والشاعر والسينمائي يتفقان في تحويل المعاني إلى صور، وتوليد المعاني الجديدة من خلال الصور. فوقائع الحياة وأحداث المجتمع وعلاقات الأفراد تمر أمام الأديب أو الشاعر أو السينمائي، فيترجمها الأديب أو الشاعر إلى فقرات أدبية وصور بيانية، ويترجمها السينمائي إلى لقطات ومشاهد وينقلها إلى الشاشة. وفي الفصل الرابع، يوضح المؤلف دور التقنيات السينمائية في بناء القصيدة، حيث صاغ الفن السينمائي لغة جديدة تعتمد على الصورة، وحولت السينما الخيالات والأحلام إلى حقائق مرئية تعتمد على حوار الألوان. لذلك كان هذا من أقوي البواعث لدى الشعراء المحدثين لتوظيف وإدخال عناصر سينمائية في صلب القصيدة، حتي يستفيدوا من تلك الإمكانات الهائلة لهذا الفن الحديث، لأن هناك تكاملية بين التفكير بالصورة والتفكير بالكلمة.