إننا لا نستورد غذاءنا فقط من أمريكا وأوروبا، ولكن نستورد أزماتنا أيضا . . فأزمة الائتمان العالمي والتي نجمت عن إقلال البنوك من الإقراض للأنشطة الاقتصادية بعد تعثر المقترضين الأمريكيين عن سداد ما عليهم من قروض المساكن لم تترك آثارها على أمريكا والدول الغربية فقط، ولكنها نالت المصارف والبورصات العربية أيضا في ظل وجود علاقة عضوية بينها وبين القطاع المصرفي الدولي . وكشفت أرقام صندوق النقد الدولي عن أن الدول المهيمنة على هذا القطاع تواجه مأزقا يتمثل في انخفاض معدلات النمو عام 2007 بسبب تراجع النشاط الاقتصادي كنتيجة لإقلال البنوك من نشاط الإقراض، لتصل إلى ٪ 2٫ 2 بأمريكا، و ٪ 2٫ 1 باليابان، و5 ٪ 2٫ بألمانيا، و9 ٪ 1٫ بفرنسا، و5 ٪ 1٫ بإيطاليا، و8 ٪ 3٫ بإسبانيا، و7 ٪ 2٫ بكندا . وإذا كانت الإجراءات التي اتخذت بهذه الدول، كقيام البنوك المركزية بضخ سيولة وخفض نسبة الفائدة على عملاتها، لم تفلح في السيطرة على معدلات النمو، وتوقعت أرقام الصندوق مزيدا من الانخفاضات بهذه المعدلات خلال العام الحالي لتصل في أمريكا على سبيل المثال إلى نصف في المائة، فإن الأمر يبدو مثيرا للقلق في الدول العربية التي لا تزال ترفض حتى مجرد الاعتراف بتأثرها بالأزمة رغم أن العلاقة العضوية التي أشرنا إليها من قبل، والتي هي أقرب ما تكون لعلاقة الزواج الكاثوليكي، كفيلة بأن تجعل ذلك واقعا لا يقبل الشك . عاملان بالبورصة ففي البورصة يوجد عاملان مهدا لهذا الزواج، الأول هو ما يعرف ب " شهادات الإيداع الدولية " التي تصدرها الشركات العربية وتضعها في البورصات الأجنبية، ولعل الأمثلة الأقرب إلى الذهن في هذا الإطار شركة " جلوبال " الكويتية التي أصدرت شهادات إيداع عالمية بقيمة 1.15 مليار دولار أمريكي تم البدء على تداولها في بورصة لندن في 21 مايو 2008 ، وكذلك بيت التمويل الخليجي بالبحرين الذي أصدر شهادات بدأ تداولها بنفس البورصة في 4 يوليو .2007 وفي مصر توجد 12 شركة مصرية لها شهادات إيداع دولية في البورصات الدولية، منها 11 شركة تعد من أبرز شركات التعامل بالبورصة المحلية وذات الوزن النسبي الكبير المؤثر على مؤشر أسعارها . ومن هنا فإن تراجع أسعار أسهم تلك الشركات في البورصات الدولية ينعكس على أسعارها في البورصات المحلية . أما العامل الثاني فهو ارتفاع نسبة تعاملات الأجانب بالبورصات العربية، فوفقا لأرقام عام 2006 ارتفعت نسبة تعاملاتهم إلى %21 في البحرين، و %25 بسوق دبي المالي، و %14 بالبورصة الأردنية، و3 . % 33 من قيمة التعامل بالبورصة المصرية خلال الشهور الثمانية الماضية . والمشكلة هنا أن المتعاملين المحليين يقلدون دائما الأجانب، ومن ثم فإن اتجاههم للبيع مع هبوط أسعار بورصات بلادهم أعقبه اتجاه مستثمرين محليين إلى البيع، مما زاد من عمق الاتجاه الهبوطي للبورصة لينخفض مؤشر أسعارها، ففي مصر على سبيل المثال انخفض المؤشر من حوالي 11 ألف نقطة في أوائل مايو الماضي إلى حوالي سبعة آلاف نقطة عقب إفلاس بنك " ليمان برازر " ، أي بانخفاض يدور حول نسبة الثلاثين بالمائة . المصارف تعضد العلاقة ولا تقل العلاقة العضوية التي تربط بين القطاع المصرفي الدولي والبورصات العربية قوة عن تلك التي تربطه بالمصارف العربية، التي تعمل على تعضيد العلاقة عبر مجموعة من الروابط منها أرصدة البنوك العربية بالخارج، هذا بخلاف الودائع العربية بالبنوك الأجنبية، والتي قدرتها دراسة نشرتها مجلة " المستثمرون " الكويتية في عددها الأخير بما يتراوح بين 600 و 800 مليار دولار، وأشارت الدراسة إلى أن البنوك السويسرية تحتضن حصة تتجاوز ٪ 50 من هذه الإيداعات، وأوضحت أن ما يقرب من ٪ 90 من تلك الأموال تتركز في دول الخليج وبصورة أكبر في السعودية والكويت والإمارات، حيث تبلغ حوالي 718 مليار دولار . ومن الطبيعي أن تتأثر تلك الأموال بما يحدث بالأسواق الأجنبية من تغيرات سلبية، ويزيد نقص الإفصاح المصرفي بالدول العربية من حجم الشعور بتبعات الأزمة . ما لا يدرك كله وهكذا لم يعد أحد في ظل العولمة يمكنه أن ينجو من الآثار السلبية التي لحقت بالاقتصاديات الدولية، ولكن المهم هو تطبيق قاعدة " ما لا يدرك كله لا يترك كله " ، وذلك بالتقليل من تلك الآثار عن طريق الاهتمام أكثر بالاقتصاد العيني القائم على الإنتاج، وتقوية الأجهزة الرقابية المتعلقة بالمصارف أو البورصة، مع المزيد من تحسين مناخ الاستثمار والإفصاح والشفافية لإظهار حجم الضرر الذي يلحق ببعض المؤسسات المحلية نتيجة الأحداث الدولية قبل أن يتسبب استفحال حجم الضرر في تعثرها أو انهيارها، ولنا أسوة في ستة بنوك مصرية تسبب غياب الدور الرقابي من قبل البنك المركزي في خروجها من السوق .