كان يركض وسمات التعب بدأت عليه وكلما أسرع تخبط بالمزيد منها ليسقط ويحاول النهوض مجددا صرخ "ماذا تريدين مني ؟ ابتعدي عني ورماها بما وصلت له يداه دعيني وشأني . لا أريد المزيد منك يكفي ما لدي " . كانت تضحك منه ساخرة رغم ما على محياها من حزن يختلف بين الشدة والخفة وكلما عنفها أو حاول إبعادها بالقوة عنه زادته لتغيظه فقط وكان يهيأ له أن عددها قد زاد أضعافا مضاعفة لذلك أراد أن ينهض ويزيد من سرعته لعله يتمكن من الهرب منها لكنه لم ينتبه للعقبة الموجودة في طريقه فسقط وارتطم بالحائط لتجتمع الأحزان التي تلاحقه عليه وباءت جميع محاولاته لأبعادها عنه بالفشل فلم يجد بدا من أن يستسلم ويجعلها تفعل فيه ما تشاء رغم شعوره بالاختناق منها لكن شعوره بالإحباط واليأس كانا كفيلان بالقضاء عليه نهائيا وكل ما فعله هو انه ترك مصيره في يدها ليغرق في ظلام دامس لا يمر من خلالها أي بصيص لنور الأمل في تلك الأثناء مر أحدهم ورأى ذلك المنظر الذي يقطع القلوب والذي تكرر أمامه مرارا وتكرارا توجه ناحيته وسال إحدى تلك الأحزان الرجل : ما تفعلين هنا ؟ الحزن : لا شيء الرجل : ولِمَ كل هذه الأحزان المحيطة بهذا الرجل . الحزن : هو من جذبنا إليه أما نحن فلا شأن لنا به . إذا أردت باستطاعتك مساعدته فقط عليك بإمساك يده وسنتفرق عنه في الحال . الرجل : أعلم ذلك جيدا . فمد يده داخلها ووجد صعوبة بعض الشيء حتى وجد يده وأمسك بها وبعدها بلحظات ليست بالقصيرة تفرقت عنه كل الأحزان وأصبحت فقط موجودة في محيطه وهو ما زال على نفس وضعيته محطما كسيرا لا يلوي على شيء ولاحظ أنها لم تكن بتلك الكثرة ولكنها كبرت وحسب. كان مبتسما وعندما طال الوقت وهو لم يتحرك الرجل : السلام عليكم . الحزين : .... الرجل : هيا قم وأنهض وحطم القيد الوهمي الموجود حولك لتستطيع الانطلاق . الحزين بعد أن رفع رأسه : و..عليكم....السلام . آسف فلم أشعر بوجودك مسبقا . الرجل : لا بأس بذلك . هلا وقفت الآن ؟ بعد أن ابتسم قليلا : أجل سأفعل . ونهض من مكانه بمساعدة الرجل ونظر حوله ووجد أن الأحزان ما زالت موجودة بالقرب منه فتكدر الرجل : لا بأس عليك فالأحزان موجودة حول كل الناس وليس حولك فقط . الحزين : ولكنني تعبت منها كثيرا ولم يعد لي طاقة على التحمل أكثر . ليتني مثلك لا يثقل كاهلي أي هم أو حزن . الرجل : هل تعتقد ذلك حقا ؟ الحزين : أجل فأنت منذ رأيتك وحتى الآن لم تزل مبتسما دليلا على ذلك . الرجل : إذن أنظر حولي جيدا . نظر الحزين حول الرجل ليجد بعض الأحزان موجودة حوله مثله مثل غيره الحزين متعجبا : ولكن لم أرها منذ البداية ؟ الرجل : لأن أحزانك لم تدعك تبصر جيدا وبسبب آخر أيضا . الحزين : ماهو ؟ الرجل : نور الأمل دائما يغطي عليها وتجعلها ليست واضحة تماما . حاول دائما أن تبتسم في وجهها وسترى الفرق . اقتربت حينها إحدى الأحزان من الحزين فابتسم لتشرع في الابتعاد عنه ليشعر بعدها بالكثير من الأمل يتغلغل في داخله الحزين : هذا صحيح لقد ابتعدت . الرجل : أجل هو كذلك وأمر آخر هي فقط تلاحق من لا يريدها أما من يتأقلم معها فإنها لا تلتفت إليه فقط تفكيرنا تجاهها هو ما يحدد مصيرنا لا هي . هل لاحظت الفرق الآن رغم أن الأحزان ما زالت متواجدة حولك ؟ الحزين : أجل لقد لاحظت ذلك شكرا لك . الرجل : لقد قمت بواجبي فقط مع السلامة الآن . واستدار راحلا الحزين بسرعة : انتظر أريد أن أسألك سؤالا . الرجل بعد أن استدار ثانية : تفضل . الحزين : لماذا ساعدتني فالكثيرون لا يهمهم سوى أنفسهم ؟. الرجل : صحيح أن لكل منا همومه وأحزانه ولا يريد زيادة عليها ولكن نحن لم نخلق فرادا لكي لا نلتفت لما يحدث للآخرين بل على العكس من ذلك خلقنا في مجتمعات وعليه علينا أن نتشارك في كل شيء لأننا حينها سنرى كم أن همومنا بسيطة وسخيفة أمام هموم الآخرين وعلى الجانب الآخر عندما نستمع إليهم نكون قد خففنا عنهم لأنهم حينها سيشعرون أن هناك من يهتم بهم حتى لو لم يقل شيئا يكفي أنه خصص وقتا ليستمع إليه . الحزين فكر قليلا ثم قال : معك حق في كل ما قلته ليت الجميع مثلك . الرجل : لو عمل كل منا بما عليه لأصبحنا جميعا سعداء . مع السلامة . هنا تصافحا وشكر الحزين الرجل بنظراته المليئة بالامتنان، ورحل الرجل ملوحا بيده مودعا والحزين كذلك لوح له بيده . *قاصة سعودية