رام الله (الضفة الغربية) -رويترز : تبحث الكاتبة والمخرجة الفلسطينية ليانة بدر في فيلمها الوثائقي الجديد (القدس مدينتي) عن ذاكرتها الشخصية في المدينة التي ولدت فيها واليوم تسكن على بعد بضعة كليومترات منها ولا تستطيع دخولها الا بتصريح خاص من الجانب الاسرائيلي.ويتحدث الفيلم الذي عرض الليلة الماضية لاول مرة في (سينماتك ومسرح القصبة) في رام الله عن حاضر وماضي المدينة المقدسة من خلال حديث عن ذكريات الطفولة والاصدقاء والمدرسة عبر الصور الفوتوغرافية احيانا وعبر الكاميرا التي ترصد الواقع الحالي للمدينة أحيانا أخرى.وقالت ليانة لرويترز بعد العرض "هذا الفيلم نتيجة ثلاث سنوات من العمل والتصوير. ولاول مرة يأخذ مني فيلم كل هذا الوقت بسبب صعوبة الدخول الى مدينة القدس والحاجة الى العمل مع اكثر من مصور في الوقت الذي كان ينتهي تصريح احدهم ولا نستطيع الحصول له على تصريح. ورغم انه يتحدث عن ذاكرة شخصية الا انه بالمحصلة جزء من ذاكرتنا الجماعية." ويحتاج الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الى تصاريح خاصة من الجانب الاسرائيلي للدخول الى مدينة القدس المحاطة بجدار اسمنتي يرتفع عدة امتار تتخلله بوابات حديدية ضخمة يخضع الفلسطينيون فيها الى اجراءات تفتيش دقيقة قبل عبورهم إذا كانوا يحملون التصاريح اللازمة لذلك. وقبل ان تبدأ ليانة في نبش ذاكرتها تقدم عرضا للاوضاع الحالية لمحيط المدينة فتنقل للجمهور صورا للمستوطنات التي تحيط بالمدينة اضافة الى الجدار الاسمنتي الذي بات يعزل المدينة عن محيطها الفلسطيني. وتخشى ليانة ان "تصبح مدينة القدس شيئا مجردا في ذاكرة الجيل الفلسطيني الجديد الذي يسمع عن القدس ولا يستطيع الدخول اليها ليكون كل ما فيها جزءا من ذاكرته. نحن اليوم امام جيل كامل منذ عام 2000 الى الان وعدد كبير جدا منهم لم يدخل الى القدس بسبب الاجراءات الاسرائيلية."واضافت "هذا الفيلم ينقل تفاصيل المكان والحياة حيث الطفولة والاحتفال بأعياد الميلاد والمدرسة بكل ما فيها من ذكريات.. فرق التمثيل والدبكة والسكن الداخلي في مدينة كان تنبض بالحياة بكل ما فيها وكل من يأتي اليها قبل ان تتحول اليوم الى مدينة شبه مهجورة."وتقلب ليانة مع صديقات الطفولة في مدرسة دار الطفل العربي التي اسستها هند الحسيني عام 1948 في القدس صورا فوتوغرافية بالابيض والاسود التقطت قبل عام 1967 يرافقها حديث عن تلك الايام والسعادة التي كانت تغمرها وصورا اخرى مع المدرسات بالاضافة الى صور لمنازل فلسطينيين قبل عام 1948 ومن بينها منزل المربي الفلسطيني المعروف خليل السكاكيني.وقالت ليانة "اريد ان اثبت وانقل لهذا الجيل كيف كانت الحياة في مدينة القدس قبل ان يهجرها كثير من اهلها الذي خرج عدد كبير منهم يبحث عن سبل اخرى للحياة بعد ان ضاقت بهم المدينة بعد احتلالها عام 67 ."وفي رحلة بحثها عن صديقات الطفولة تاخذ ليانة الجمهور الى قرية (دورا القرع) شمالي مدينة رام الله حيث تسكن صديقتها جهاد الشلبي مقدمة صورة حية لمعاناة فلسطينية مستمرة بسبب الاستيطان الاسرائيلي. ويظهر الفيلم لقطات لمستوطنين من مستوطنة (بيت ايل) يسكنون على بعد امتار من بيت جهاد وهم يراقبون حركتها على سطح منزلها وهي تنشر الغسيل هناك ويسمع الجمهور صوت حجارة تضرب السطح لتوضح جهاد ان المستوطنين يقذفونها باتجاه منزلها في محاولة لتخويفها وعائلتها لاجبارهم على الرحيل من جوار هذه المستوطنة التي اقيمت على اراضي هذه القرية. تتحاور ليانة مع صديقتها ميسرة الحسيني التي لازالت تقيم في القدس وتعمل اليوم في مدرسة دار الطفل العربي في حديث يعيد الى الذاكرة ما كانت عليه المدينة المقدسة وكيف اصبحت. وقالت ميسرة لرويترز بعد العرض "هذه ذاكرة القدس المحفورة في قلوبنا وعقولنا... جميل جدا ان تعود الى تلك الذكريات في المدرسة والسكن الداخلي والحياة المحيطة قبل ان تصبح اليوم القدس مدينة حزينة." وأضافت "لقد كان العدد في السكن الداخلي لدينا في مدرسة دار الطفل العربي يصل الى 360 طالبة من الضفة الغربية وقطاع غزة اضافة الى القدس واليوم لدينا فقط 22 طالبة في السكن الداخلي لصعوبة الدخول الى مدينة القدس." واعادت ليانة في فليمها (القدس مدينتي) الى الذاكرة تلك الاغنية التي اشتهرت في خمسينات القرن الماضي (تفضلوا معي اليوم عيدي) ليسري جوهرية وألحان الموسيقار سلفادور عرنيطة من مدينة القدس لتقدم اية جوهرية وهي تعلم الاطفال هذه الاغنية من جديد. وتحاول ليانة في نهاية الفيلم ان تبث الامل رغم انها تغادر القدس وهي تنقل صورا للجدار الذي يلف المدينة ولا تعرف متى سيمكنها دخولها مرة اخرى. وقالت ليانة التي اخرجت مجموعة من الافلام منها (فدوى شاعرة من فلسطين) و(زيتونات) و(حصار) و(مذكرات كاتبة) و(مفتوح مغلق) انها ستبدأ جولة لعرض فيلمها مطلع العام القادم بعد الانتهاء من احتفالات عيد الميلاد.