قيل لنا أننا في عصر العولمة والحوار الحضاري والثقافي والديني وارتضينا هذا الواقع على اعتبار أننا لا نعيش على هذه الأرض وحدنا وإنما يشاركنا هؤلاء الآخرون بكل ما يحملونه من فكر وثقافة وحضارة . وفي عصر العولمة تكون وسائل الإعلام الحديثة هي المحرك واللاعب الرئيسي لأنها تنقل لنا في الحين والساعة كل ما هو جديد من أخبار ومصائب، خاصة وأن معظم ما يحدث في العالم يندرج تحت وصف المصائب ..فمن الحروب الى الفيضانات وانتقالا الى المجاعات والاغتيالات والأوبئة والأمراض وباختصار فإن الصورة العامة تقول لنا أن هذا العالم لا ينقل لنا إلا ما يرفع ضغطنا ويدخلنا في نوبات اكتئاب تحول فرحتنا بأمور قضائية سارة الى قلق يبقى هاجس يومنا ويؤرق منامنا فقد كنا في السابق حين نبشر بالمولود ذكر أو أنثى نقيم الأفراح وتغمرنا سعادة فائقة ورغم أننا ما زلنا نحتفظ بعادة الاحتفال بمواليدنا إلا أننا اكتسبنا هذه العادة الجديدة وهي القلق على مستقبل أبناءنا وسط هذه العولمة التي تتسلل إلى حياتنا بكل ما تحمله لنا من فزع وقلق على مستقبلنا ومستقبل أبناءنا . قد يبدو أن ما انقله هنا هو صورة مشوهة تجعلنا نرفض العولمة جملة وتفصيلا وهو رفض يعكس انعزالية الفكر إلا أنني أحاول هنا أن أكون أكثر واقعية فإن تحدثنا عن العولمة اقتصاديا فما نشهده الآن هو زعامة عالمية تسيطر على الاقتصاد العالمي وترغم الدول الفقيرة على أن ترضخ لقوانينها الأمر الذي يصب في النهاية في مصلحة تلك الدول المتزعمة والمسيطرة فهل العولمة استطاعت أن تخلق توازنا وتحقق أهدافا نبيلة من خلال تبادل اقتصادي يحفظ العدالة وينصف الضعفاء ؟ وأما إن كانت العولمة بهدف الخروج بحوار ثقافي يمنح مساحات أكبر لفهم المجتمعات الأخرى فما يبدو واضحا اليوم أن ما تنقله لنا تلك المجتمعات التي تنادي بالعولمة ومن خلال وسائل إعلامها هو تلك النظرة المتعالية التي ترتدي بقصد أو بغير قصد رداء الحذر والارتياب الى جانب تأكيدها على تشويه صورة الانسان العربي وفي بعض الأحيان المساس بمقدساته وعقيدته والتقليل من شأنها وبالتالي فقد تحولت العولمة الثقافية الى ما يشبه الصراع الثقافي فالعالم العربي يمد يده ليصنع هذا الحوار إلا أن العالم الغربي يصر على تأكيد تفوقه بكبرياء متعنت وإن لم يكن هذا معترف به صراحة إلا أنه يبرز من آن لآخر في مواقف مختلفة لبعض الدول وبعض من فئات المجتمع الغربي ومؤسساته . ولا ننفي هنا بعض القصور في تصرفات ومواقف بعض الأفراد من المجتمعات العربية من خلال حضورهم وزياراتهم للدول الغربية وهو قصور تتخذه تلك المجتمعات كمثال يؤكدون من خلاله فكرتهم القاصرة للانسان العربي وللمجتمعات العربية والقصور لا يقف عند هذا التمثيل الفردي العربي ولكنه أيضا موجود في داخل المجتمعات العربية ولربما تساهم بعض من القنوات الفضائية العربية والتي تعكس ثقافة مغايرة لواقع الانسان العربي للمجتمعات الأخرى في تعزيز النظرة القاصرة لدى الغرب عن مجتمعنا العربي . لقد باغتتنا العولمة وسط أحداث سياسية واجتماعية حاسمة ووجدنا أنفسنا في موقف دفاع مستمر وممتد عن ثقافتنا وعن انسانيتنا وعن إرثنا الحضاري وما زلنا نراوح مكاننا الدفاعي وسط هذا الصراع الحضاري والذي يستمر في قمعنا فكريا واجتماعيا ويبث فينا تراجعا فكريا يحول دون أن نطور فكرنا وثقافتنا . إضافة الى أن العولمة لم تضف لنا رفاهية وحضارة وحوار فكري متوازن ومنصف مع الآخرين وانما أجدها عولمة قاصرة تهدف الى اكساب العالم الغربي زعامة وسيطرة شاملة وتخلق فجوة حضارية تتسع كل يوم، كما وأنها عولمة بصناعة غربية متقنة ترمز لتوجه وتهدف في باطنها لتوجه آخر. * شاعرة وإعلامية سعودية