أطلت علينا منذ فترة اختبارات القياس والتقويم لخريجي الجامعات الراغبين في الالتحاق بالعمل، وكذلك لطلاب الثانوية الذين يرغبون دخول الجامعات وهذه الامتحانات متكررة مع رسومها الكبيرة على خريجي الجامعات الراغبين بالعمل وكذلك على الطلاب، وليس في مقدور معظم أولياء الأمور دفع هذه الفاتورة بصفة دورية، لا سيما أنه لا يوجد لها فائدة، بل إنها تقضي على آمال وتطلعات الراغبين بالعمل، وكذلك الراغبين بمواصلة مستقبلهم الدراسي على حد سواء. وقد ذهب كثير من المعنيين بهذه المشكلة في تحليل دواعيها وتقييم بواعثها الى عدة مذاهب، منهم من رأى بأن الهدف يتلخص في الحد من وجود فرص وظيفية أو مجال ملائم للتعليم امام المجموعتين، ومنهم من تصور بأن الغاية تكمن في خلق عقبات كبيرة تعيق تحقيق التطلعات. كما اعتقد بعض المخنوقين بسببها بأنها مشروع تجاري بحت لكونها تضر ولا تفيد وتفرض رسما ماليا مكررا، ومن الناس من يرى على أنها اجتهاد خاطئ وغير موفق ولم يقيم بدرجة سليمة، إذا كيف يقضي الطالب الراغب بالعمل ستة عشر عاما في التعليم تنسفها ساعة أو ساعتين لقياس امكانياته فتبعده وتهوي به الى درك المعاناة والشقاء وانتظار عام بعد عام؟ والسنين تمضي ولا أحد يحس بأحد وهو يحلم وينتظر الفرج وترتيب حياته العلمية والزوجية، ولكن بلا أمل وهذا ينطبق على الطالب والطالبة في الصفوف الثانوية، حيث ان كل منهما يقضي أكثر من ألف يوم وهو يتعلم ويذاكر ويراجع ويمتحن عدة امتحانات في كل عام فصلين في مواد كثيرة تزيد عن مائة مادة خلال ستة فصول، ثم بعد كل هذا العمر من الدراسة والمثابرة يقوم اختبار القياس ليقضي على كل هذه المراحل والزمن والجهد بلمح البصر، فيعطيه نتيجة سيئة إذا كنا منصفين وطبقنا امتحانات الفحص على الموظفين في الدوائر الحكومية والطلاب في الجامعات حتى المسؤولين عن أدوات الفحص لأخفق كثير منهم فيها، وهذا لا يعني انهم قاصرون أو مقصرين، بل لأن أدوات الفحص اجتهادية وتنسجم مع قدرات شريحة من المجتمع تتفق وقدراته، ثم اني لا أعرف أي دولة سبقتنا لهذه الفكرة الغريبة التي تفحص المفحوص!. وفي هذه الحال ألا يحق لأولياء الأمور ولكل من فرض عليه القياس التساؤل كيف ان ساعة القياس تحدد مصير المجموعتين، فتقضي على جهود سنوات لتحدد مستوى الراغبين بالعمل أو الطلاب خلال ساعة زمنية، لقد أصبح القياس شبحا مخيفا يهدد حياة الحالمين، ويقضي على مستقبلهم الوردي، وينسف كل أمل في مستقبل مشرق. نعم ان مشروع اختبار القياس والتقييم يدعونا للبحث والتنقيب عن السر الذي شرع من أجله، والغاية التي يصب فيها، وانسجاما مع عدم جدواه نتطلع الى إلغائه أو ترتيب وضعه في صور أخرى تحدد توجيه الموظف لقطاع دون غيره عند صدور قرار توظيفه، أو مساعدة الطالب على تعزز درجاته لا الاضرار به حين يأخذ درجات ضعيفة بحيث تفيد ولا تضر، حتى نجد ان لاختبارات القياس فائدة واضحة، ولا تحتاج الى قياسها وجدوى مشروعيتها حين تنسف الواقع وتثبت الخيال. صالح بن عبدالله العثيم بريدة [email protected]