الرحمة والحنان صفتان مرتبطتان بشدة فقد تخرج الرحمة من الحنان وقد يكون الأمر معكوسا فالرحمة صفة من صفات الخالق " الرحمن الرحيم " وقد وزعها الخالق على البشر ليكون الانسان في منزلة أعلى على مستوى التعامل الأخلاقي والانساني.. والرحمة يخرج منها الحنان كصفة قد لا تكون مقتصرة فقط على البشر وانما نجدها في بعض الحيوانات كأن تحنو الغوريلا الأم على أطفالها وفي بعض الحوادث النادرة والتي تبرز في الصحف العالمية نجد بعض الحيوانات تحنو أيضا على البشر ... والحنان ذكر في القرآن الكريم في سورة مريم .. قال تعالى " وحنانا من لدنا " وفي تفسير كلمة حنان في هذه الآية يقول معجم ألفاظ القرآن الكريم -مجمع اللغة العربية - في معنى الحنان :أن الحنان هو الرحمة والعطف والرزق والبركة .. فهو صفة تحمل صفات أخرى وتؤدي أيضا الى عموم الخير والبركة بين الأفراد في المجتمعات. وقد يقال أن المجتمعات الانسانية لم تعد تعير هذه الصفات البناءة كثيرا من الاهتمام خاصة وأن الحياة أصبحت أكثر تطلبا والحاجة الى توفير الرزق ولقمة العيش أصبح يمثل أولوية لدى الأفراد في كل المجتمعات وبهذا تراجعت قيم كثيرة كانت تمثل أساسا للتعاملات الانسانية بشكلها العام ودون تخصيص ففي الماضي كان تقييم الأشخاص يبنى على الأخلاق والصفات سواء كان التقييم بغرض التوظيف والعمل أو لغرض الزواج أو للتعارف والصداقة والتي كانت تتم بتلقائية شديدة .. وقد تكون المقارنة بين الماضي والحاضر على مستوى الصفات الانسانية غير منصفة خاصة وأن الظروف المعيشية تغيرت بشكل كبير والضغوط التي يرزح تحتها الانسان العصري ازدادت شراسة وقوة خاصة وان التهديد بفقدان الرزق يعتبر من أهم العوامل التي قد تغير الانسان وتخضعه للتخلي عن بعض قيمه في سبيل لقمة العيش ... وهذا الأمر لا أعتبره تبريرا في أي حال من الأحوال لأن يتخلى الانسان عن صفاته الانسانية الرائعة والتي قد تجعل حياته تسير في إطار الأمن والسكون والتسليم بالقدر ... فالرحمة ان عمت القلوب فلسوف تخلق مجتمعا متكافلا ومتقاربا ولسوف تمنحنا طمأنينة واحساس بالأمان رغم ما قد يحيط بنا من ظروف قد تهدد انقطاع سبب من أسباب راحتنا وسعادتنا. ومعنى السعادة قد يتفاوت من شخص لآخر وقد نختلف في تحديد أسباب السعادة إلا أنني أجد أن السعادة .. كل السعادة تكمن في تكاملنا الانساني عبر صفات وضعت في تكويننا البشري ليتم إخضاعها وتطبيقها في تعاملاتنا الانسانية فنحن البشر خلقنا معا لنصنع لأنفسنا حياة نحن نختارها ونحن من يحدد معالمها وكل ذلك نصنعه من خلال تراحمنا وتواصلنا الأخلاقي. والحنان يصنع الرحمة و هو الرقة التي تنحني بالقوة على الضعف فتسنده وتقويه وهو العطف كشعور ايجابي يؤدي الى إحداث تغيير في بعض المواقف الانسانية وهو ينطوي في معناه الشامل على حب عميق للكائنات ورحمة بها وبالتالي نستنتج أن الحنان هو درجة من درجات الحب التي منحت للأنبياء مباشرة من الله. ولعل ما يثير الدهشة هو أن المرأة تملك من صفة الحنان أكثر بكثير مما يوجد لدى الرجل فهي تفوقه بهذا الشعور العميق ولعل ذلك يتجلى كثيرا في عاطفة الأمومة بشكل خاص كما يتجلى في الحب الذي تمنحه لزوجها ولكل من ترتبط بهم ارتباطا عائليا ولديها كثير من طرق التعبير عن هذا الحنان. والرحمة والحنان صفتان موجودتان في خلقنا ولا نحتاج لدورات أو لمناهج دراسية كي نزرعها في نفوسنا وانما كل ما نحتاج فعله كي نبرز تلك الصفات هو تطهير الذات وتنقيتها من خلال التوجه الى العبادة والخشوع ومحاولة فهم عقيدتنا بوعي أكبر وبصيرة أقوى فهي ليست صفات نكتسبها وانما صفات موجودة لدينا وما علينا سوى البحث عنها. * اعلامية وشاعرة سعودية