قال معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي " إن صناعة البترول في المملكة العربية السعودية مقبلة على واحد من أكثر البرامج الطموحة في مجال التكرير، والمعالجة، والتسويق، في تاريخ صناعة البترول السعودية، فضلاً عن مجموعة من مشاريع توسعة المصافي وتحديثها ودمجها مع مرافق المواد البتروكيماوية، الأمر الذي سيتمخض عنه استثمارات بعشرات البلايين من الدولارات خلال السنوات الخمس المقبلة".وأضاف " إننا ماضون قدماً، وحدنا أو بالتعاون مع شركائنا الدوليين، لبناء ثلاث مصافٍ داخل المملكة في الجبيل، وينبع، وجازان. كما قمنا بالتعاون مع شركة "سوميتومو" اليابانية بتحديث مصفاة رابغ ودمجها مع مجمع للبتروكيماويات، في الوقت الذي نسير فيه قدماً لإنجاز خطط بناء مشروع عملاق للبتروكيماويات بالتعاون مع شركة " داو كيميكل " الأميركية. إننا دائما نخطط على أساس أفق بعيد المدى. وهذه الإستراتيجية التي تضع المستقبل نصب أعينها تعكس إيماننا بأن الاقتصاد العالمي سيتعافى - ومعه الطلب على الطاقة والبترول - ونحن نشهد الآن مؤشرات ذلك بالفعل ". جاء ذلك خلال مشاركة معاليه الليلة قبل الماضية في منتدى فرص الأعمال السعودي-الأمريكي المنعقد في مدينة إلينوي الأمريكية حيث ألقى الكلمة التالية.. أود أن أبدأ اليوم وجهة نظري حول ثلاثة موضوعات رئيسة.. مساهمة البترول في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة، واستجابات المملكة العربية السعودية وصناعتها النفطية للتحديات التي تواجه صناعة الطاقة العالمية، وأخيراً، العوامل الرئيسة التي تحدد قرارات المملكة في مجالات الإنتاج، والاستثمار، والبحث، والتطوير، الخاصة بالبترول والغاز. لقد لعب البترول خلال الحقبة التاريخية الماضية دوراً مهماً في علاقات البلدين منذ توقيع أول اتفاقية امتياز لأعمال التنقيب عن البترول في المملكة العربية السعودية عام 1933 مع شركة (ستاندرد أويل كومباني أوف كاليفورنيا) - شيفرون حالياً - التي تطورت لاحقا إلى أربع شركات أمريكية مالكة لأرامكو. ومنذ اكتشاف البترول في المملكة العربية السعودية وإدراك إمكاناته، تغيرت صناعة البترول العالمية بشكل كبير - وعلى غراره تغيرت العلاقات الاستثمارية والتجارية بين بلدينا. لقد عمل الشعبان السعودي والأمريكي معاً، تحدوهم تطلعات وأهداف مشتركة، ليس لتحقيق المنفعة المتبادلة بينهما فحسب، بل من أجل صالح العالم بأسره، وقد تجسد ذلك في آلاف الأمريكيين الذين عملوا في بلادنا وأسهموا في وضع الأساس لصناعة بترول تتسم بالكفاءة، ومساهمة تدفقات البترول السعودي المتواصلة والموثوقة إلى الولاياتالمتحدة في تحقيق التوازن في مجال الطاقة والازدهار الاقتصادي داخل أمريكا. وفي الوقت نفسه، درس عشرات الآلاف من السعوديين في الولاياتالمتحدة وعادوا إلى وطنهم للمشاركة في بناء حكومة فعالة، وصناعة بترول مسؤولة، وقطاع خاص مزدهر. وعندما تفاوضت حكومة المملكة العربية السعودية مع الشركات الأمريكية الأربع الكبرى للاستحواذ على شركة "أرامكو"، فإنها اكتشفت صناعة بترول قوية تدعمها القوى العاملة السعودية التي تتسم بالكفاءة، واختارت الحفاظ على موروث ثقافة الشركة. وفي الواقع، لم تنته علاقة صناعة البترول هذه التي جمعت بين تراث أرامكو والشركات الأمريكية الأربع الكبرى بعملية الاستحواذ، حيث واصلت شركات البترول الأمريكية، وشركات أخرى، تواجدها النشط في قطاعات التكرير، والبتروكيماويات، وخدمات الطاقة، داخل المملكة. وساهمت الشركات الأربع، التي تحولت إلى شركتين في أعقاب عمليات الاندماج وصفقات التملك الأمريكية التي تمت في أواخر التسعينيات، بشكل كبير في تحقيق التكامل الرأسي لصناعة البترول السعودية، وتحقيق القيمة المضافة في مختلف مراحل صناعة البترول والغاز داخل المملكة. إن المشاريع العديدة والمشتركة بين أرامكو السعودية، وسابك، والشركات السعودية الخاصة المعنية من جانب، وكبرى الشركات الأميركية من جانب آخر، تساهم في عملية التطور الصناعي المتواصل والتنويع الاقتصادي داخل المملكة. ومع ذلك، لم تقتصر التحالفات بين الصناعات البترولية والبتروكيماوية السعودية والأمريكية على المملكة العربية السعودية فقط، بل امتدت لتشمل جميع أنحاء العالم. ومن أمثلة ذلك مشروع "موتيفا" المشترك بين أرامكو السعودية، وشركة شل، في الولاياتالمتحدة، ومشروعها المشترك في الصين مع شركة إكسون موبيل، وكذلك صفقة تملك سابك "لوحدة جنرال إلكتريك للبلاستيك" في الولاياتالمتحدة، بما يجسد عمق هذه العلاقات الثنائية والإمكانيات المتنامية لمزيد من التعاون مع شركات البترول السعودية. إن العلاقات التجارية البترولية تأتي على نفس القدر من الأهمية. فعلى مدى عقود، فإن المملكة العربية السعودية بين أكبر ثلاثة موردين رئيسيين للبترول للولايات المتحدة. وعلى الجانب الآخر، حافظت الولاياتالمتحدة على الدور الذي تؤديه بوصفها شريكا تجاريا ومزودا رئيسا للاستثمارات المباشرة داخل المملكة. ونحن نتوقع لهذه العلاقات الوطيدة أن تزدهر خلال السنوات القادمة على النحو الذي سأتناوله لاحقاً. لقد كانت السنوات القليلة الماضية حرجة بالنسبة لاقتصاد العالم وصناعة الطاقة العالمية، إذ شهدت السنوات الخمس السابقة للأزمة المالية عام 2008 نمواً اقتصادياً ملحوظاً بلغت نسبته 4،8 في المئة مدفوعاً بالاقتصاديات الناشئة. وبالتوازي مع هذا النمو، زاد حجم الطلب على الطاقة والبترول بمعدل سنوي بلغ في المتوسط 3،2 في المئة و 1،8 في المئة على التوالي. وإبان فترة النمو هذه، ارتفعت أسعار البترول من 31 دولاراً للبرميل في المتوسط لخام غرب تكساس الوسيط في عام 2003 إلى 100 دولار في عام 2008. وشهدت تلك الفترة أيضا أكثر تقلبات الأسعار في تاريخ البترول، حيث قفزت الأسعار من نحو 25 دولاراً للبرميل خلال شهر أبريل 2003 إلى 147 دولاراً خلال شهر يوليه 2008. وفي الوقت الذي كانت فيه مساهمة العوامل الأساسية مقابل العوامل المالية لمثل هذا التذبذب في الأسعار محل نقاش وجدال إبان تلك الفترة، فقد فتحت الأزمة المالية أعين الجهات التنظيمية داخل كبرى أسواق المال لتجبرهم على ممارسة قدر من الرقابة على الأسواق المالية، وأسواق السلع، لتصبح أكثر كفاءة وشفافية. وقد استجابت صناعة الطاقة العالمية بشكل عام، وصناعة البترول بشكل خاص، للقضايا الأساسية المرتبطة بالعرض والطلب وتوقعات الجميع باستمرار النمو من خلال زيادة الاستثمارات لتطوير موارد البترول والغاز التقليدية وغير التقليدية، ومصادر الطاقة المتجددة، والعديد من موارد الطاقة الأخرى. وكانت الحكمة التقليدية آنذاك (و أعتقد أن الوضع لم يتغير حتى الآن) أن العالم بحاجة إلى كافة أشكال إمدادات الطاقة المجدية والصديقة للبيئة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر في مجال الطاقة. ونحن في المملكة العربية السعودية قد استجبنا لهذه التطورات التي شهدتها سوق البترول العالمية من مناحي مختلفة، حيث واصلنا سياستنا التي اعتمدناها منذ أمد بعيد، والقائمة على الاعتدال، وضخ إمدادات وفيرة للأسواق في جميع الأوقات. وعندما بلغت الأسعار مستويات يصعب تحملها على حساب النمو الاقتصادي العالمي، وإمكانات التنمية في البلدان النامية، عقد وبدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، اجتماعاً تاريخياً في مدينة جدة في شهر يونيه 2008، بمشاركة الدول المنتجة والمستهلكة، والصناعة البترولية، لإيجاد حلول عالمية لتقلبات الأسعار. وتمخضت قمة جدة، واجتماع لاحق لها عُقد في لندن، عن تشكيل مجموعة توجيهية دولية رفيعة المستوى، لدراسة أبعاد العلاقة التي تجمع المنتجين بالمستهلكين، وتقلبات الأسعار. وتم رفع التقرير التي توصلت إليه تلك المجموعة إلى اجتماع وزراء الطاقة بمنتدى الطاقة الدولي الذي انعقد في كانكون في المكسيك نهاية الشهر المنصرم. ومن بين الاستجابات الأخرى التي قامت بها المملكة، اعتمادها زيادات في الطاقة الإنتاجية من البترول بلغت في مجملها 2،8 مليون برميل في اليوم في الفترة من عام 2004 حتى 2009 لترفع طاقتها الإنتاجية بذلك إلى 12،5 مليون برميل في اليوم. كما واصلت المملكة سياستها المتمثلة في الحفاظ على طاقة إنتاجية فائضة على الأقل من 1،5 إلى 2 مليون برميل في اليوم في جميع الأوقات بهدف تلبية احتياجات السوق من جهة، والاستفادة منها في أوقات اضطراب الأسواق، أو انقطاع الإمدادات في أي مكان آخر، من جهة أخرى. وهنا يجب أن أذكّر بأنه لا توجد أية دولة أخرى تمتلك القدرة الفنية، أو حتى الرغبة لممارسة هذه السياسة بشكل مستمر. ولقد ساهمت مثل هذه الزيادات في الإنتاج والطاقة الإنتاجية الفائضة في تأمين إمدادات وفيرة للسوق، والحفاظ على توازنها طوال هذه المرحلة. وعلى الرغم من أن التكلفة لكل برميل من أجل الحفاظ على الطاقة الإنتاجية وزيادتها في المملكة العربية السعودية هي الأقل حتى الآن في جميع أنحاء العالم، تبقى التكلفة الاستثمارية مرتفعة بالنظر إلى طاقتنا الإنتاجية الكبيرة الحالية، وحجم الزيادات في حد ذاتها. إضافة إلى ما سبق، سجلت التكاليف الرأسمالية الأساسية ارتفاعاً في جميع دول العالم، ومن بينها المملكة العربية السعودية. وبالرجوع إلى عام 1998 عندما تم تطوير حقل "الشيبة" لأول مرة في قلب صحراء الربع الخالي في المملكة، كلفتنا الطاقة الإنتاجية اليومية نحو 5 آلاف دولار للبرميل، وتضاعفت التكلفة لإنتاج برميل إضافي، ضمن الطاقة الإنتاجية اليومية من حقل "خريص"، ومن المقرر أن تزيد التكلفة ثلاثة أضعاف لتحقيق ذات الطاقة الإنتاجية من حقل "منيفة" في المنطقة المغمورة. ولقد أدركنا منذ أمد بعيد أن مكانتنا في صناعة الطاقة العالمية كأكبر مالك ومنتج ومصدِّر لاحتياطات البترول في العالم تنطوي على مسؤوليات استجبنا لها بطريقة فعَّالة وفي الوقت المناسب. ورغم تنامي الشكوك السياسية والاقتصادية والبيئية، إلا أننا ما زلنا نستفيد من مواردنا وعلاقاتنا مع الدول المنتجة الأخرى، من أجل الحفاظ على استقرار سوق الطاقة واستدامته. وعلى الرغم من الضغوط التي فرضتها الأزمة المالية على استثمارات الطاقة في أجزاء من العالم بسبب التقلبات والانهيار المبدئي للأسعار في أعقاب الأزمة، إلى جانب أزمة الائتمان اللاحقة، لم تتأثر استثمارات البترول والغاز في المملكة العربية السعودية، وحافظت على قوتها وزخمها. وفي خضم الأزمة المالية العالمية وتحديداً في منتصف عام 2009، بدأ الإنتاج من مشروع توسعة حقل "خريص" بطاقة إنتاجية ضخمة بلغت 1،2 مليون برميل في اليوم، فيما يجري العمل حالياً في مشروع توسعة حقل "منيفة". ولقد استثمرت المملكة أكثر من 63 بليون دولار كمصروفات رأسمالية على مدار السنوات الخمس الماضية لرفع طاقتها الإنتاجية إلى مستواها الحالي، ومن المقرر أن تنفق 107 بلايين دولار أخرى على مدار السنوات الخمس القادمة في مجال التنقيب، والإنتاج، وقطاع التكرير، والمعالجة، والتسويق، للبترول والغاز. إننا مقبلون على واحد من أكثر البرامج الطموحة في مجال التكرير، والمعالجة، والتسويق، في تاريخ صناعة البترول السعودية، فضلاً عن مجموعة من مشاريع توسعة المصافي وتحديثها ودمجها مع مرافق المواد البتروكيماوية، الأمر الذي سيتمخض عنه استثمارات بعشرات البلايين من الدولارات خلال السنوات الخمس المقبلة. كما أننا ماضون قدماً، وحدنا أو بالتعاون مع شركائنا الدوليين، لبناء ثلاث مصافٍ داخل المملكة في الجبيل، وينبع، وجازان. كما قمنا بالتعاون مع شركة "سوميتومو" اليابانية بتحديث مصفاة رابغ ودمجها مع مجمع للبتروكيماويات، في الوقت الذي نسير فيه قدماً لإنجاز خطط بناء مشروع عملاق للبتروكيماويات بالتعاون مع شركة "داو كيميكل" الأميركية. إننا دائما نخطط على أساس أفق بعيد المدى. وهذه الإستراتيجية التي تضع المستقبل نصب أعينها تعكس إيماننا بأن الاقتصاد العالمي سيتعافى - ومعه الطلب على الطاقة والبترول - ونحن نشهد الآن مؤشرات ذلك بالفعل. إن الشكوك التي تؤثر على الاستثمارات في مجال الطاقة، التي ذكرتها آنفا، ليست من الصعوبة بمكان التغلب عليها. كما أنكم على الأرجح ستناقشون خلال فعاليات هذا المنتدى احتمالات الانتعاش الاقتصادي والشكوك التي تحيط به. وهنا أود أن أتطرق إلى حالتي عدم الاستقرار اللتين تؤثران على أسواق الطاقة والاستثمارات: وهما الاستجابة للتغيرات المناخية، وسياسات الطاقة التي تنتهجها الحكومات المستهلكة. فبالنسبة لقضية الاستجابة للتغيرات المناخية، أعتقد أن جميع الإمكانات المتعلقة بالخيارات التقنية لم تلق الاهتمام الكافي، سواء كان ذلك في المحافل الوطنية أو الدولية. وفي الوقت الذي تُجمع فيه الآراء على أن العالم سيكون بحاجة للوقود الأحفوري في المستقبل المنظور لتلبية الجزء الأكبر من احتياجاته من الطاقة، يتعين علينا تشجيع واستثمار التقنيات التي تتعامل مع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بدلاً من الانجراف وراء حلول مكلفة للحد من استخدام الوقود الأحفوري، حيث أثبتت عملية فصل واستخلاص الكربون أنها تقنية مربحة لجميع الأطراف، وفي حال طُبقت هذه التقنية في المناطق المنتجة للبترول، فإنها ستقلل الانبعاثات الضارة، كما ستساهم في توفير موارد البترول وطول فترة بقائها من خلال تطبيق تقنيات الاستخلاص المدعم للبترول. ونحن في المملكة العربية السعودية نشيطون في هذا المجال، حيث دشنا مشروعاً تجريبياً لفصل واستخلاص الكربون في أحد حقولنا، كما بادرنا بالمشاركة في جهود التعاون الدولي في هذا الشأن مع الدول الأخرى. وما يتعلق بمسألة سياسات الطاقة التي تعتمدها الحكومات المستهلكة، فعلينا أن نفرّق بين التصريحات السياسية التي تصدر لإرضاء هذه النخبة أو تلك، وبين السياسات الفعلية التي وُضعت لمعالجة بعض المخاوف الحقيقية أو المنظورة. ويحدوني أمل صادق بألا تُترجم التصريحات السياسية المتكررة، مثل تقليل واردات البترول من هذه المنطقة أو تلك، إلى أفعال سياسية. أما ما يخص السياسات الموضوعة لمعالجة أمن الطاقة أو التغيرات المناخية، فأعتقد أنها يجب أن تجتاز اختبارات التناسق والجدوى والكفاءة طويلة الأجل، إذ لا حرج في تنويع مصادر الطاقة، وتطوير مصادر متجددة للطاقة، حتى بالنسبة لنا نحن في المملكة العربية السعودية، فعلى الرغم من مواردنا الهيدروكربونية الكبيرة، إلا أننا نسعى إلى تطوير إمكاناتنا الذاتية المتجددة من خلال الطاقة الشمسية، كما يتجلى مؤخراً في تكوين مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. ومما يهمنا هو السياسات المتغيرة وطبيعتها التي لا يمكن التنبؤ بها، وكذلك المخاطرة بوضع جداول زمنية صارمة، وأهداف لتطوير مصادر للطاقة لا تزال في مهدها، أو تواجه الكثير من معوقات الاستمرار، ما قد يؤدي إلى فقدان الموارد التي نحتاج جدواها الفعلية. فإذا لم تلبِ تلك الموارد التكميلية، التي تنعقد عليها آمال كبيرة في تحقيق أمن الطاقة، والتوقعات الكبيرة منها، وإذا تراجع الاستثمار في الموارد التقليدية مفسحاً المجال أمامها، فربما تشهد إمدادات الطاقة أزمة على حساب أمن الطاقة واستقرار السوق. وكما تحتاج صناعة البترول أفقاً بعيد المدى فإن البدائل الأخرى تحتاجه أيضا. لقد مر على العالم أجيال وأجيال حتى تم تطوير إمكانات كبيرة للوقود الأحفوري وتشييد بنيته الأساسية المطلوبة - بدءاً من رأس البئر وصولاً إلى المستهلك النهائي - وبالمثل ستحتاج تلك المصادر الأخرى وقتاً طويلا، واستثمارات ضخمة. والموضوع الثالث المهم هو مستقبل الاقتصاد السعودي والدور الذي يؤديه قطاع البترول في تشكيل ذلك المستقبل. منذ بداية التخطيط للتنمية في المملكة قبل نحو 40 عاماً، كانت تنمية الموارد البشرية والتنويع الاقتصادي على رأس أهداف خططنا التنموية المتعاقبة. وفي الوقت الذي نجحنا فيه إلى حد ما في تحقيق هذه الأهداف، كما هو واضح في الكثير من المؤشرات، فلا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به. وفي خطة التنمية التاسعة التي اعتمدت مؤخراً، كان هناك تركيز خاص على العلوم والتقنية كونهما يمثلان المحفزات الرئيسة لهذين الهدفين وتجسيداً لهما. وبالإضافة إلى أعمال البحوث والتطوير المتواصلة التي تقوم بها الشركات السعودية الرائدة والبحوث العلمية التي تجريها الجامعات والمعاهد القائمة، واصلت المملكة جهودها من أجل تحقيق رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز- حفظه الله - لتوسيع نطاق واستثمارات العلوم والتقنية والوصول بهما إلى مستويات أعلى. وإدراكاً منا بأن ازدهار المملكة في المستقبل سيكمن في القدرة الإبداعية لشعبها وقدرته على التكيف مع التغيرات العلمية والتكنولوجية، فضلا عن الاستخدام الفعّال والكامل للموارد الطبيعية، فقد أنشأنا جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي افتتحت في شهر سبتمبر الماضي، في ثول على ساحل البحر الأحمر، لتكون جامعة عالمية المستوى، ومنارة دولية للمعرفة، ومركزاً للتعلم. كما أننا بصدد إنشاء مركز الملك عبد الله لدراسات وأبحاث البترول في الرياض ليقود حركة بحوث الطاقة والبيئة ودراسة السياسات المرتبطة بهما في المملكة، وأيضا لتقديم بحوث وتحليلات مستقبلية على نطاق عالمي. ونتوقع أن هذه المؤسسات الجديدة ستقود حركة البحوث في مجال الطاقة الشمسية، والتقنية الحيوية، والمياه، والأنظمة البيئية، وعلوم المواد، وغيرها من المجالات، التي من شأنها أن تساهم في تحقيق الهدفين الرئيسين لتنمية الموارد البشرية والتنويع الاقتصادي. وبالنسبة لقطاع البترول، فيأتي في قلب هذا التنويع الاقتصادي وحركة الابتكار التقني. إن هدفنا من تنويع الاقتصاد لا يعني نهاية أو تقليص حجم الاستثمارات والمشاريع البترولية، بل على العكس، فالبترول كان وسيظل مصدراً مهما للدخل وعاملاً مؤثراً في تحقيق هدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والاستثمارات التي ذكرتها آنفاً، سواء التي نفذت بالفعل أو التي نعتزم تنفيذها في مجال التنقيب، والإنتاج، وقطاع التكرير، والمعالجة، والتسويق، ستسير بالتوازي مع استثماراتنا الأخرى الرامية إلى تنويع اقتصادنا. وبالمثل تأتي استثماراتنا في أعمال التنقيب، والتطوير، والإنتاج، والمعالجة، في مجال الغاز، لتوفيره كوقود ولقيم يخدم منافع المملكة، وليكون عاملاً مساعداً في المضي قدماً نحو نمو وتوسع القطاعات الصناعية. ولقد ساهمت استثماراتنا في مجال التنقيب، والإنتاج، والمعالجة الخاصة بموارد الغاز، في تحقيق زيادة احتياطياتنا بنسبة 27 في المئة وزيادة إنتاجه بنسبة 60 في المئة ليرتفع من 5،3 بليون قدم مكعبة في اليوم إلى 8،5 بليون قدم مكعبة في اليوم في الفترة من 2000 حتى 2009، واليوم أكثر من نصف إنتاج المملكة من الغاز هو من الغاز غير المرافق. ولا يزال برنامج أرامكو السعودية لتطوير قطاع الغاز متواصلاً، ومع إكمال حقول (كران ومنيفة وعربية والحصباة)، سيرتفع إجمالي طاقة معالجة الغاز إلى أكثر من 15،5 بليون قدم مكعبة في اليوم بحلول عام 2015.كما أننا مقبلون أيضاَ على مرحلة جديدة من التكامل بين البترول والقطاعات الصناعية في المملكة. فقد تمكنا من إنجاز المرحلة الأولى الخاصة بتطوير المواد البتروكيماوية الأساسية، ونعمل حالياً على تعزيز المواد الكيميائية الوسيطة والمتخصصة سواء من خلال دمج المصافي مع مرافق البتروكيماويات أو الاستثمار بهدف الاستحواذ على القيمة المضافة بأكملها من إمكاناتنا البتروكيماوية. وفي هذا السياق، يعمل برنامج التجمعات الصناعية الذي اعتمده مجلس الوزراء على تحقيق هذا الهدف. ويبقى الدمج بين قطاعي البترول والتعدين أحد إنجازاتنا البارزة. كما أن قرب الانتهاء من خط السكة الحديدية بين الشمال والجنوب لنقل ترسبات خامي الفوسفات والبوكسايت إلى المدينة التعدينية الصناعية في رأس الزور في الخليج العربي لمعالجتهما إلى ثنائي فوسفات الأمونيوم وأحادي فوسفات الأمونيوم وألمونيوم يجسد أحد عناصر إستراتيجية التصنيع هذه. لقد أدركنا منذ وقت طويل أن استثماراتنا المرتبطة بالبترول والغاز، واستثماراتنا في الطاقة، وتحلية المياه، تتمخض عن توفير سلع وخدمات تقدر بعشرات البلايين من الدولارات سنوياً، وعليه، فإننا نعمل بالتعاون مع القطاع الخاص للمضي قدماً في تطوير وتوسيع نطاق خدمات الطاقة والصناعات التحويلية. كما أننا ندعو جميع الشركات العالمية، بما في ذلك شركاءنا التقليديين في الولاياتالمتحدة، للانضمام إلينا، كما فعلوا سابقاً في تطوير الصناعات المرتبطة بالبترول والغاز والمواد البتروكيميائية، في إنجاز هذا القطاع الواعد الذي نتوقع أن يصبح قائدا اقتصادياً في المنطقة، وفي العالم أجمع. في الوقت الذي باتت تنقشع ببطء سحابة الأزمة المالية والاقتصادية، التي تعد الأسوأ منذ عقود، ودخول العالم مسار نمو جديد، ومحافظة أسعار البترول على مستوياتها الأكثر استدامة، يتملكني شعور كبير بالتفاؤل بشأن مستقبل الطاقة والطلب على البترول، ومستقبل صناعة الطاقة. كما أنني متفائل بشأن مستقبل الاقتصاد السعودي، الذي يدخل هو الآخر مرحلة جديدة من التطور والنمو.إن المرحلة الجديدة تركز على تطوير الإمكانات الكاملة لاقتصاد المعرفة، والتأكيد على دور العلم والتكنولوجيا في تطوير كامل القيمة المضافة من مواردنا الطبيعية والاستحواذ عليها. وعلى غرار نمط التنمية الذي اعتمدته المملكة على مدى السنوات الخمسين الماضية، جاءت هذه الحقبة الجديدة من التعاون الكامل بين الحكومة والقطاع الخاص، ومشاركة الشركات السعودية وشركائها في جميع أنحاء العالم، ومن بينها الولاياتالمتحدة التي تعد حليفاً رئيساً. وفي الوقت الذي نقف فيه على أعتاب هذه المرحلة، فإنني أحث جميع شركائنا للانضمام إلينا في حقبة جديدة من التعاون السعودي الأمريكي بما يحقق مصالح البلدين على المدى البعيد.