أثارت تصريحات نائب وزير التربية والتعليم "نورة الفايز"، التي قالت فيها إن الوزارة تدرس دمج الطلاب والطالبات في الفصول الدنيا جدلا واسعا داخل المملكة على مختلف المستويات، وانقسمت الآراء حولها ما بين مؤيد ومعارض. وكانت أنباء سابقة قد ترددت تفيد بأن عدّة مدارس ابتدائية في مدينة جدة، بدأت بتطبيق الدمج بين طلاب وطالبات الصفوف الدنيا للمرحلة الابتدائية، كتجربة قد تعمم على بقيّة المدارس الابتدائية في المملكة، ما أدى في ذلك الوقت إلى توجيه انتقادات شديدة لهذه الخطوة، غير أن مسؤولين في الوزارة نفوا هذه الأنباء في حينها. وقال المسؤولون عن فكرة تطبيق الاختلاط في العملية التعليمية: "إن هذه الأمور مخالفة تماماً للشريعة الإسلامية، ومخالفة لسياسة الدولة، ونحن لا نستطيع تطبيق أي شيء مخالف للشريعة الإسلامية، التي هي منهج هذه الدولة ودستورها". وقالت إحدى المسئولات في إدارة تعليم البنات في وزارة التربية والتعليم: "لم تقم الوزارة أبداً بتطبيق التعليم المختلط في الصفوف الأولى للمرحلة الابتدائية، ولكن هناك تجربة لتطبيق تعليم البنين من قبل مدرسات ضمن مدارس البنات الابتدائية، دون أن يكون هناك اختلاط بين الطلاب والطالبات". وأكدت أنه: "لا يوجد اختلاط إطلاقاً بين الطلاب والطالبات في الفصول.. كل ما هناك أن بعض المدارس في المملكة، من بينها مدرستي الرياض والمملكة في مدينة الرياض، تقوم حالياً بتطبيق تجربة تعنى بتعليم الطلاب في الصفوف الأولى (الأول والثاني والثالث الابتدائي)، من قبل مدرّسات بدلاً عن المدرسين". وحول إمكانية الاختلاط في الفسح، أضافت المسؤولة: "المدارس تقوم بتطبيق الفصل التام، ولا يوجد أي اختلاط،. وبالنسبة للفسح، فإن فسحة الطلاب تكون في وقت مغاير لفسحة الطالبات، بمعنى أن الاختلاط لا يحصل في الفسح أيضاً أبداً، فلكل منهما وقته المحدد". تطورات القضية: وتعتبر قضية منع الاختلاط في العمل والمدارس والمؤسسات إحدى المميزات الكبرى للمجتمع السعودي باعتباره البلد الوحيد الذي يطبق الشريعة الإسلامية ويجرم الاختلاط. ظلت قضية الاختلاط محتدمة داخل المجتمع السعودي عبر الصحف ووسائل الإعلام، لتنتقل إلى جلسات مؤتمر الحوار الوطني التاسع والتي عقدت في مدينة الإحساء في وقت سابق من شهر محرم الماضي، حيث انتقد الشيخ الدكتور "وليد بن عثمان الرشودي" المطالبين بالاختلاط داخل المؤسسات التعليمية في المملكة. وقال الرشودي: "إن المطالبات التي تدعو في هذا الحوار إلى مخالفة الشريعة بفتاوى تدعو إلى الاختلاط بطرق منمّقة الألفاظ من كتاب ومثقفين، يظن بعضهم أنه بهذا الأسلوب سيوصف بالشجاعة، لا يجب أن تصدر من غير المبصرين بأمور الدين", منوها بأن الفتوى لا يجب أن تصدر إلا من أهل الاختصاص". بعد هذا أخذت التجاذبات بين الأطراف المختلفة تهدأ قليلا، حتى جاءت تصريحات نائبة وزير التربية والتعليم بشأن دراسة الوزارة لمسألة دمج الطلاب والطالبات في الفصول الدنيا، لتشعل قضية الاختلاط مرة أخرى، لكن يبقى السؤال هل هناك فرق بين الاختلاط الطلاب والطالبات في الجامعات واختلاطهم في مراحل التعليم الدنيا؟ آراء العلماء: قال معالي الشيخ الدكتور "صالح بن فوزان الفوزان" - عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء – إن الاختلاط في المدارس الابتدائيّة لا يجوز، مشيرا إلى أنّ العلماء عندما جعلوا رئاسة خاصّة بتعليم البنات إنما هو محافظة على الإناث ومنعا للاختلاط، ومؤكّدًا بأنّه يجب السير على هذا المنهج السليم من الابتدائي إلى الجامعة وعدم السماح بغيره. وأضاف أنّ عزل الإناث عن الذكور هو منهج الإسلام الذي لا يجوز مخالفته، موضّحاً أنّ الابتدائي أساس لما فوقه فإذا وجد فيه الاختلاط انتشر في المراحل الأخرى. تعميمات سابقة: من جانبه قال الشيخ "عبدالمحسن العباد": من المؤسف قيام وزارة التربية والتعليم بالإذن لمدارس أهلية للبنات بقبول البنين في الصفوف الأولية الأول والثاني والثالث من المرحلة الابتدائية يتولى تدريسهم نساء على أن يكون تدريسهم في صفوف خاصة بهم في تلك المدارس، وهذه بداية سيئة وأمر منكر، وهؤلاء الأبناء وإن درسوا في فصول خاصة بهم فإنهم يختلطون مع البنات من جميع الفصول الستة قبل ابتداء كل درس وبعده من بدء اليوم الدراسي إلى نهايته، وهو أيضاً ذريعة إلى امتداد ذلك إلى الصفوف الأخيرة الابتدائية وما بعدها من مراحل الدراسة. وذكر بتعميم كان قد صدر للدوائر الحكومية برقم 2966/م بتاريخ 19 /9 /1404ه جاء فيه: "نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16 /5 /1403ه المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة أو الشركات أو المهن ونحوها أمر غير ممكن، سواء كانت سعودية أو غير سعودية، لأن ذلك محرم شرعاً، ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد، وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال، فهذا خطأ يجب تلافيه، وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه...". ويضيف الشيخ العباد إن حصول الجمع بين البنين والبنات بعد سن التمييز في الصفوف الأولية من المدارس الابتدائية غير سائغ لما فيه من محاذير يدركها كل عاقل، ومن ذلك ما يلي: 1- أن للبنين والبنات بعد سن التمييز من الفهم والإدراك ما يجعل الحكم فيهم مختلفاً عما قبل هذه السن، ولهذا جاءت السنة بأمرهم بالصلاة على سبيل الاستحباب ليتعودوا عليها ويأتوا بها على الوجه المشروع. 2- أن الجمع بين البنين والبنات في الصفوف الأولية مع كونه محذوراً فهو وسيلة وذريعة إلى الجمع بينهم في الصفوف الأخيرة، ثم في المرحلة المتوسطة وهكذا ما وراءها، فيكون بداية سيئة تجر إلى ما هو أسوأ منها، وقد قال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية (ص 281): "ولا ريب أنَّ تمكين النساء من اختلاطهنَّ بالرجال أصلُ كلِّ بليَّة وشرٍّ، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنَّه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة". 3- أن من البنين والبنات من يحصل لهم البلوغ وهم في مرحلة الدراسة الابتدائية لم يتجاوزوا الثانية عشرة، فقد ذكر البخاري في صحيحه (2664) عن المغيرة بن مقسم الضبي أنه قال: ((احتلمت وأنا ابن ثنتي عشرة سنة))، ومن البنات من يحصل لهن البلوغ بالحيض وهن في الصفوف الأولية للدراسة الابتدائية، فقد ذكر البخاري أيضا عن الحسن بن صالح أنه قال: "أدركت جارةً لنا جدةً بنت إحدى وعشرين سنة)"، فلا يجوز الجمع بين البنات اللاتي بلغن بالحيض أو قاربن البلوغ بعد سن التمييز وبين البنين الذين هم في هذه السن. 4- أن الله ذكر في سورة النور من يجوز للنساء إبداء زينتهن لهم، ومنهم الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، ومن كان منهم بعد سن التمييز ولاسيما في سن الثامنة والتاسعة فقد يحصل لهم من الإدراك والفطنة في أمر النساء ما يكونون به من الأطفال الذين ظهروا على عورات النساء، فلا يجوز ابداء الزينة لهم، ولا أن يدرسهم مدرسات، ولا الجمع بينهم وبين البنات اللاتي هن مظنة للبلوغ في هذه السن. الرد على من أجاز الاختلاط: كما انتقد الشيخ الدكتور "محمد بن عبدالله الهبدان" من قال بجواز اختلاط الطلاب بالطالبات فيما دون الصف الرابع ابتدائي. وقال الشيخ الهبدان رادا على من قال بجواز الاختلاط في مراحل التعليم الأولى: 1- أن المراحل الأولية قد يدخلها بعض الأطفال في سن متأخرة فيكون في سن العاشرة وهو في الصف الثالث أو الرابع، أو قد تتعثر الطالبة دراسياً فتصل إلى العاشرة أو الحادية عشر وهي في الصفوف الدنيا، ووجودها وهي بالغة خطر عليها وعليهم. 2- تأثير وسائل الإعلام الخطير بأولاد المسلمين ذكورا وإناثا حتى أصبح الصغير يعرف ما يعرف الكبار قبل بلوغه (ففي دراسة أجريت لمعرفة أثر برامج التلفزيون على الأطفال أتسمت جميع الآثار الأخلاقية التي ذكرها المتخصصون بالسلبية، وجاء في مقدمتها تشجيع التلفزيون على زيادة العنف لدى الأطفال وبلغت نسبة 63% على مستوى العينة ككل، وفي المرتبة الثانية جاء أن التلفزيون يعمل على إثارة الغرائز لدى الأطفال ويرى ذلك 51% من أفراد العينة). 3- أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب عائشة رضي الله عنها وعمرها ست سنوات ودخل بها وعمرها تسع سنوات. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية" (3 / 161) قوله: (تزوجها وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع) مما لا خلاف فيه بين الناس - وقد ثبت في الصحاح وغيرها - وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة. 4- أن الذين جربوا اختلاط المرحلة الابتدائية ذكروا خطورة هذه التجربة فمن ذلك: (يقول الأستاذ أحمد مظهر العظمة وقد أوفدته وزارة التربية السورية إلى بلجيكا في رحلة علمية زار فيها المدارس البلجيكية، وفي إحدى الزيارات لمدرسة ابتدائية للبنات سأل المديرة: لماذا لا تخلطون البنين مع البنات في هذه المرحلة؟ فأجابته: قد لمسنا أضرار اختلاط الأطفال حتى في سن المرحلة الابتدائية)، وقد أوضحت مجلة (سفنتيز) الأمريكية– التي أجرت الاستطلاع، أن أعداداً كبيرة من الفتيات يتعرضن لتحرشات غير أخلاقية ليست فقط في المدارس الثانوية، وإنما تبدأ – أيضاً – من المدارس الابتدائية؛ حيث يتعرضن لهذه المضايقات من التلاميذ الذكور، وكذلك من المعلمين!!). 5- من قواعد الشريعة المعمول بها قاعدة سد الذرائع، والسماح بدراسة من قبل سن العاشرة في مدارس مختلطة يفتح الباب إلى المطالبة بالاختلاط في الصفوف العليا كما هو الحاصل في الدول العربية التي بدأ الاختلاط فيها من الصفوف الدنيا ثم تدرج إلى مدارج الجامعات. فتوى العلامة ابن باز: وختم الشيخ "محمد بن عبد الله الهبدان" كلامه بالتذكير بكلام العلامة "عبدالعزيز بن باز"، رحمه الله تعالى: (تولي النساء لتعليم الصبيان في المرحلة الابتدائية يفضي إلى اختلاطهن بالمراهقين والبالغين من الأولاد الذكور، لأن بعض الأولاد لا يلتحق بالمرحلة الابتدائية إلا وهو مراهق وقد يكون بعضهم بالغاً، ولأن الصبي إذا بلغ العشر يعتبر مراهقاً ويميل بطبعه إلى النساء، لأن مثله يمكن أن يتزوج ويفعل ما يفعله الرجال، وهناك أمر آخر وهو أن تعليم النساء للصبيان في المرحلة الابتدائية يفضي الاختلاط ثم يمتد ذلك إلى المراحل الأخلى فهو فتح لباب الاختلاط في جميع المراحل بلا شك، ومعلوم ما يترتب على اختلاط التعليم من المفاسد الكثيرة والعواقب الوخيمة التي أدركها من فعل هذا النوع من التعليم في البلاد الأخرى. فكل من له أدنى علم بالأدلة الشرعية وبواقع الأمة في هذا العصر من ذوي البصيرة الإسلامية على بنينا وبناتنا يدرك ذلك بلا شك، وأعتقد أن هذا الاقتراح مما ألقاه الشيطان أو بعض نوابه على لسان فائزة ونورة المذكورتين وهو بلا شك مما يسر أعداءنا وأعداء الإسلام ومما يدعون إليه سراً وجهراً. ولذا فإني أرى أن من الواجب قفل هذا الباب بغاية الإحكام وأن يبقى أولادنا الذكور تحت تعليم الرجال في جميع المراحل. كما يبقى تعليم بناتنا تحت تعليم المعلمات من النساء في جميع المراحل وبذلك نحتاط لديننا وبنينا وبناتنا ونقطع خط الرجعة على أعدائنا وحسبنا من المعلمات المحترمات أن يبذلن وسعهن بكل إخلاص وصدق وصبر على تعليم بناتنا في جميع المراحل. ومن المعلوم أن الرجال أصبر على تعليم البنين وأقوى عليه وأفرغ له من المعلمات في جميع مراحل التعليم كما أن من المعلوم أن البنين في المرحلة الابتدائية وما فوقها يهابون المعلم الذكر ويحترمونه ويصغون إلى ما يقول أكثر وأكمل مما لو كان القائم بالتعليم من النساء مع ما في ذلك كله من تربية البنين في هذه المرحلة على أخلاق الرجال وشهامتهم وصبرهم وقوتهم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع). "رواه أحمد وأبو داود والحاكم ورمز السيوطي لصحته". هذا الحديث الشريف يدل على ما ذكرناه من الخطر العظيم في اختلاط البنين والبنات في جميع المراحل والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وواقع الأمة كثيرة لا نرى ذكرها هنا طلباً للاختصار. وفي علم حكومتنا وفقها الله وعلم معالي وزير المعارف وعلم سماحة الرئيس العام لتعليم البنات وحكمتهم جميعاً وفقهم الله ما يغني عن البسط في هذا المقام. وأسأل الله أن يوفقنا لكل ما فيه صلاح الأمة ونجاتها وصلاحنا، وصلاح شبابنا وفتياتنا وسعادتهم في الدنيا والآخرة إنه سميع قريب. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.